في تصدّي المقلّد للقضاء :
يتصوّر تصدّي المقلّد لأمر القضاء على أنحاء ثلاثة :
الأوّل : أن يستقلَّ في القضاء بلا نصب من جانب من له أهليّة الفتوى ولا وكالة منه ، بل يقضي على طبق رأي مقلَّده.
الثاني : أن ينصّب من جانبه لهذا الأمر الخطير.
الثالث : أن يوكّله في القضاء.
والفرق بين الأخيرين واضح ، فإنّ القضاء في الثاني عمل نفس القاضي ، بخلاف الثالث فإنّه عملُ نفس من نصّبه كما هو الحال في جميع موارد الوكالة.
ثمَّ إنّ أمر القاضي ونهيه يختلف بالقياس إلى أمر الآمر بالمعروف والنّاهي عن المنكر ، فإنّ الأمر والنهي في الثاني إرشاد إلى ما هو تكليف الغير الثابت عليه ، مع قطع النظر عن أمر الآمر ونهي النّاهي ، وفي هذا المجال المجتهد والمقلّد سواء ، يجوز لكلّ منهما أمرُ الغير ونهيه إرشاداً إلى تكاليفه الثابتة مطلقاً ، وهذا بخلاف أمر القاضي ، فإنَّ ما يحكمُ به ليس تكليفاً للغير مع غضّ النظر عن حكمه ، وإنّما يكون تكليفاً له بعد الحكم والقضاء. مثلاً : لو اختلف العامل والمالك ، فادّعى العامل ردّ رأس المال وأنكره المالك ، فحكم القاضي بأنّ القول قول المالك حينئذ يتنجّز على العامل دفعُ العين مع وجودها وإلّا فعليه دفع المثل أو القيمة سواء دفع المال في الواقع أو لا ، وهذا الإلزام جاء من جانب القاضي بحكمه ، ولم يكن ثابتاً من قبل ، وبما أنّه خلاف القاعدة ـ إذ أنّ الأصل عدم حجيّة رأي أحد في حق أحد ونفوذه ـ احتاج نفوذه إلى الدّليل وقد عرفت وجود الدليل وثبوته في المجتهد المطلق والمتجزّي الذي استنبط شيئاً معتدّاً به. وإنمّا الكلام في المقلِّد ، ويقع أوّلاً في النحو الأوّل ثمّ النحوين الآخرين.