ولا أظنّ أحداً يتصوّر أنّ من يؤخذ عنه معالم الدّين ، أو يكون مأموناً على الدّين والدّنيا ، أو يفتي النّاس حسب مذاهبهم ، أو يفتخر الإمام الصادق (عليهالسلام) بجلوسه في المسجد وإفتائه النّاس ، كان يعدّ من الرّواة العاديين الّذين لا شغل لهم إلّا نقل النّصوص ، ولأجل ذلك عُدّوا من الطبقة الأُولى من الفقهاء في تلك العصور. غاية الأمر كان الافتاء غالباً بلفظ النّصوص لكن بعد الإحاطة بها وتطبيق الأُصول على الفروع.
فكرة إنكار الاجتهاد في عصر الأئمّة (عليهمالسلام):
ربّما يتصوّر أنّ الرّوايات الإرجاعية لا تشمل فقهاء الأعصار المتأخرة ، لأنّ الإرجاع كان إلى رواة الأحاديث والأخبار ونقلة النّصوص المسموعة أو المرويّة عنهم (عليهمالسلام) ، وأين هذا من الرّجوع إلى الفقهاء المستنبطين للأحكام ببذل الجهد من الكتاب والسنّة ويفتون بآرائهم وإن كانت مستندة إليهما. سلّمنا وجود الاجتهاد بينهم ، لكنّ الفارق بين الاجتهادين أظهر من أن يخفى ، فإنّ الاجتهاد في العصور المتقدّمة كان سهلا سطحياً لا صعباً عميقاً كما هو الحال في العصور المتأخرة حيث إنّه اتخذ لنفسه قالباً فنيّاً دقيقاً.
يلاحظ عليه : أنّ الاجتهاد كان ظاهرة طبيعيّة ظهرت بعد رحيل الرّسول الأكرم صلىاللهعليهوآلهوسلم وابتلاء المسلمين ـ الذين تخلّوا عن العترة الطاهرة ـ بمسائل جديدة لم يجدوا لها حلّا في ظاهر الشرع ، فبذلوا الجهد للإجابة عنها كيفما كان ولو من خلال ظوابط ومقاييس ما أنزل الله بها من سلطان.
إنّ تاريخ الفقه وإن كان يقسّم من أخذت عنهم الفتوى إلى طائفتين :