الثّاني : القاضي والفاصل للخصومات :
هذا هو الركن الثّاني لإدارة المجتمع الإسلاميّ بل مطلق المجتمع البشريّ ، لأنّ الحياة الفرديّة لا تثير أيّ اختلاف ونزاع بخلاف الحياة الاجتماعية ، فإنّ الاختلاف فيها وافر من جهات ونواحي عديدة ، كالتّزاحم والتّصادم في الحقوق والأموال ، إمّا طمعاً في حقوق الآخرين وأموالهم وأعراضهم ، وإمّا جهلاً بالحكم والوظيفة العمليّة واعتقاداً بملكيّة ما ليس يملكه ، فلا مناص حينئذ عن وجود قوّة قضائيّة وسلطة نافذة فاصلة للخصومات تحلّ العقد ببنان العدل والإنصاف ، وفي ضوء القانون النّازل من الله سبحانه ، وإلى ذلك يشير قوله سبحانه خطاباً لداود (عليهالسلام) (يا داوُدُ إِنَّا جَعَلْناكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلا تَتَّبِعِ الْهَوى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللهِ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللهِ لَهُمْ عَذابٌ شَدِيدٌ بِما نَسُوا يَوْمَ الْحِسابِ) (ص / ٢٦).
وقال مخاطباً لنبيّه : (وَإِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ) (المائدة / ٤٢) وقال سبحانه : (وَأَنْزَلْنا إِلَيْكَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتابِ وَمُهَيْمِناً عَلَيْهِ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِما أَنْزَلَ اللهُ وَلا تَتَّبِعْ أَهْواءَهُمْ عَمَّا جاءَكَ مِنَ الْحَقِ) (المائدة / ٤٨) وقال سبحانه : (وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِما أَنْزَلَ اللهُ وَلا تَتَّبِعْ أَهْواءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ ما أَنْزَلَ اللهُ إِلَيْكَ) (المائدة / ٤٩).
وليس المراد من الحكم في الآيات هو الحكم فيما يرجع إلى الأُصول والعقائد ، بل المراد هو الحكم في مجال الفروع وذلك بوجهين :
١ ـ قوله سبحانه : (وَكَيْفَ يُحَكِّمُونَكَ وَعِنْدَهُمُ التَّوْراةُ فِيها حُكْمُ اللهِ ثُمَّ يَتَوَلَّوْنَ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ وَما أُولئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ) (المائدة / ٤٣) فانّه بحكم قوله :