وقد كان صادقاً على قضاة عصر الرّسول صلىاللهعليهوآلهوسلم ومن بعده ، كما كان صادقاً على المتربّين على أيدي الأئمة (عليهمالسلام) من المحدّثين والفقهاء لاتّصالهم بالمعصومين (عليهمالسلام) ، وسماعهم منهم أو عمّن سمع منهم ، وأمّا في عصرنا هذا فلا يصدق إلّا على من له قوّة الاستنباط ويبذل الجهد بالتتبّع في الروايات والنظر في حلالهم وحرامهم ، فيعرف ـ أكثر ـ أحكامهم (عليهمالسلام) فالموضوع لنفوذ القضاء واحد في جميع الأعصار ، غير أنّ بعد العهد واختلاط الصحيح بالسقيم من الروايات ، وما صدر عن تقيّة بما صدر لبيان الواقع ، صار سبباً لعدم صدقه إلّا على لفيف قليل من العلماء وهم الممارسون لأحاديثهم ـ (عليهمالسلام) والناظرون في حلالهم وحرامهم والعارفون أحكامهم (عليهمالسلام) ، ولا مجال لصدق ذلك على المقلّد المحض الّذي لا يعرف شيئاً من الأحكام سوى ما جاء في رسالة مقلّده ـ بالفتح ـ (١).
المقام الثاني : في نصب المجتهد المقلّد للقضاء :
ما تقدّم من الكلام كان في تصدي المقلّد منصب القضاء (استقلالاً) وقد عرفت عدم الدّليل على جوازه ونفوذ قضائه ، والكلام هنا في تصدّيه للقضاء بعد نصب المجتهد إيّاه للنّظر في المرافعات والقضاء فيها على طبق ما يراه المجتهد. فنقول :
__________________
(١) ثمّ إنّ الفرق بين الجوابين واضح ، فإنّ جواب المحقّق الآشتياني (رضي الله عنه) مبني على أنّ الميزان هو العلم بالأحكام لا الاجتهاد ، غير أنّ العلم بالأحكام كان ميسوراً للقضاة الموجودين في عصر النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم مطلقاً ، وأمّا في عصرنا فليس ميسوراً إلّا على من له ملكة الاجتهاد.
وأمّا جوابنا فهو مبنيّ على أنّ الميزان في صحّة التصدّي هو ما جاء في لسان الرّوايات ، أعني : قوله «روى حديثنا ونظر في حرامنا وحلالنا وعرف أحكامنا وهو كان صادقاً على القضاة الموجودين في زمن النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم مطلقاً (مجتهداً كان أو لا) ولكنّه في عصرنا هذا لا يصدق إلّا على المجتهد ، فليس الاجتهاد شرطاً وإنمّا هو طريق لتحصيل موضوع الدّليل. (منه حفظه الله).