كانوا غير مجتهدين ، وأمّا زماننا هذا فالعلم فيه لا يحصل إلّا بالاجتهاد ، فليس للاجتهاد موضوعية إلّا كونه طريقاً إلى العلم بالأحكام ، وهو كان حاصلاً للمنصوبين يوم ذاك دون مقلّدي أعصارنا. وحاصله : أنّ الميزان هو العلم بالأحكام لا الاجتهاد ، والعامّي في السابق كان عالماً بها بخلاف العامّي في أعصارنا (١).
يلاحظ عليه : إن كان المراد من العلم ، العلم بالأحكام الواقعيّة فهو لم يكن حاصلاً يوم ذاك للمنصوبين ولا للمجتهدين في الأعصار المتقدّمة ضرورة أنَّ أصحاب الأئمة (عليهمالسلام) ربّما كانوا يأخذون الأحكام عن أصحابهم ، وقد كانوا مبتلين بالأخبار المتعارضة ومشكوك الصّدور ، إلى غير ذلك ممّا لا يوجب العلم بالحكم الواقعيّ ، ومثله المجتهد ، فإنّ ما يحصّله من أحكام ممّا قامت عليه الحجّة لا أنّها أحكام واقعيّة.
وإن كان المراد الأعمّ من الحكم الواقعيّ فهو حاصل لمقلِّدي عصرنا.
والأولى أن يقال : إنّه لو كان الموضوع لنفوذ القضاء هو المجتهد أو من له قوّة الاستنباط ، صحّ أن يردّ بما جاء في الاستدلال بخلاف ما لو قلنا بأنّ الموضوع له ، هو من روى حديثهم (عليهمالسلام) ونظر في حلالهم وحرامهم وعرف أحكامهم ،
__________________
(١) كتاب القضاء للمحقّق ميرزا محمد حسن الآشتيانيّ (رضي الله عنه) : ٩ و ١٠.
وعبارته كالتالي ، حيث قال بعد كلام حول دلالة المقبولة :
«قلت : لسنا قائلين بدلالة المقبولة على اعتبار الاجتهاد في الحاكم ، وإنمّا نقول بدلالتها على اعتبار العلم فيه ، ولكنّا نقول : إنّه لا يمكن العلم بتحصيل الأحكام الشرعية في زماننا هذا إلّا بملكة الاجتهاد ، فاعتبار الاجتهاد ليس من جهة دلالة المقبولة عليه ، بل من جهة عدم حصول العلم في زماننا هذا وأشباهه إلّا به (الاجتهاد).
فاعتبار الملكة إنمّا هو من جهة عدم تحقّق الموضوع في هذه الأزمنة إلّا به».