من العلم لا من الورع ، والقدر الّذي عنده من الورع يحجزه عن الفتوى بما لا يعلم ، فلا اعتبار برجحان ورع الآخر ، وهو حسن» (١).
وبما أنّ المسألة من المسائل التفريعيّة ومن الفقه المستنبط ، لا جدوى في التوغّل في الأقوال ، لأنّ كلاً من القائل بالتّعيين والتخيير استند إلى دليل عقليّ أو شرعيّ ، فيكون المتّبع هو الدّليل لا قوله وكلامه ، وليس الاتفاق ـ على فرض ثبوته ـ كاشفاً عن دليل وصل إليهم ولم يصل إلينا ، فاللّازم هو عرض المسألة على الأدلة ، فنقول : يقع الكلام في مقامين :
الأوّل : ما هي وظيفة العاميّ في تلك المسألة ـ مع غضّ النظر عن رأي العلماء ـ هل يستقلّ عقله بالرّجوع إلى الفاضل أو بالتخيير بينهما؟
الثاني : ما هو مقتضى الأدلّة عند المجتهد هل يستفاد منها لزوم الرّجوع إلى الفاضل أو يستفاد التّخيير؟
أمّا الأوّل : فلا شكّ أنّ وظيفته ، هي الرّجوع إلى الفاضل ، ويستقلّ عقله بذلك كما يستقلّ بعدم تقليد المفضول ، وذلك ببيانين :
الأوّل : لا شك أنّه ورد التكليف بتقليد الفاضل ، ولكن نشك في أنّ الوجوب فيه تعيينيّ أو تخييريّ ، فمقتضى الإطلاق هو الأوّل ، لحاجة الثاني إلى بيان زائد ، والإطلاق ينفيه.
يلاحظ عليه : أنّا نقطع بعدم ورود خطاب خاصّ بالنسبة إلى تقليد الفاضل ، حتّى يتردّد الأمر فيه بين كون التكليف تعيينيّاً أو تخييريّاً ، والخطاب الوارد لا يتجاوز عن لزوم الرّجوع إلى أهل الذّكر ، وهو كليّ ينطبق على جميع المصاديق ، سواء كانا متفاضلين أو متساويين ، والتحديد بفرد خاصّ يحتاج إلى دليل.
__________________
(١) معالم الدّين ، قسم الاجتهاد والتّقليد.