المقام الأوّل : استقلال المقلِّد في القضاء :
قد عرفت خطورة منصب القضاء وأنّه لا يتولّاه إلّا المنصوب من جانب الرّسول والأئمة (عليهمالسلام) وإلى ذلك أشار أمير المؤمنين (عليهالسلام) بقوله لشريح : «يا شريح قد جلست مجلساً لا يجلسه [ما جلسه] إلّا نبي أو وصيّ نبيّ أو شقيّ» (١).
وقال الصادق (عليهالسلام) : «اتّقوا الحكومة ، فإنّ الحكومة إنمّا هي للإمام العالم بالقضاء ، العادل في المسلمين لنبيّ [كنبيّ] أو وصيّ نبيّ» (٢).
تقدّم قيامُ الدّليل على نفوذ قضاء الفقيه الجامع للشّرائط أو المجتهد الذي استنبط شيئاً معتدّاً به ، والكلام هنا في المقلِّد المحض الّذي لا يكونُ حكمه القضائي إلّا على طبق رأي مقلّده ـ بالفتح ـ ، فهل يجوز له التّصدّي أو لا؟ المشهور : عدم الجواز ، ويظهر ذلك من خلال تتبّع كلمات الفقهاء وهي كالتالي :
١ ـ قال الشيخ (قدسسره) : «القضاء لا ينعقد لأحد إلّا بثلاث شرائط : أن يكون من أهل العلم والعدالة والكمال ، وعند قوم بدل كونه عالماً أن يكون من أهل الاجتهاد ، ولا يكون عالماً حتّى يكون عارفاً بالكتاب والسنّة والإجماع والاختلاف ولسان العرب ، وعندهم والقياس» (٣).
٢ ـ وقال (رضي الله عنه) أيضا : «لا يجوز أن يتولّى القضاء إلّا من كان عارفاً (عالماً ـ خل ـ) بجميع ما ولى ولا يجوز أن يشذّ عنه شيء من ذلك ، ولا يجوز أن يقلِّد غيره ثمّ يقضي به ، وقال الشافعيّ : ينبغي أن يكون من أهل الاجتهاد ولا يكون عامّياً ، ولا يجب أن يكون عالماً بجميع ما وليه ، وقال في القديم مثل ما قلناه.
__________________
(١) الوسائل : ١٨ / ٧ ح ٢ ، الباب ٣ من أبواب صفات القاضي.
(٢) المصدر نفسه : ١٨ / ٧ ح ٣ ، الباب ٣ من أبواب صفات القاضي.
(٣) المبسوط : ٨ / ٩٩.