وتلبّس به الثاني ، وهذا من العناوين التقييديّة للموضوع في نظر العقل والعرف.
ودليل الثالث هو دوران الأمر بين المحذورَين ، لاحتمال وجوب البقاء على تقليد الأوّل وحرمة العدول عنه ، واحتمال وجوب تقليد الثاني فيتخيّر حينئذ.
والأقوى هو الثاني.
ومنه يعلم حكم تقليد المفضول لتعذّر الوصول إلى الفاضل ، ثمّ ارتفع العذر ، فيجب عليه الأخذ بقول الفاضل وفتواه والعدول عن تقليد المفضول ، وكذلك يظهر الحال فيما لو قلّد مجتهداً لاعتقاد أعلميّته ثمّ بان الخلاف ، فيجب العدول عن تقليده إلى الأعلم.
التبعيض في التقليد :
إنّ هنا نظريّة خاصّة لنا ، وهي التبعيض في التقليد ، حسب انقسام الفقه إلى العبادات والمعاملات والإيقاعات والسّياسات ، فلو فرضنا أعلميّة مجتهد من آخر في باب العبادات دون سائر الأبواب ، وفرضنا مجتهداً آخر على عكس ذلك ، فالواجب على حسب التقرير السابق التّبعيض في التقليد.
والتقليد التّام في شخص واحد لا يتمّ إلّا إذا كان أقوى ملكة من غيره في جميع أبواب الفقه ، وهو وإن كان ميسوراً في القرون السابقة إلّا أنّه ليس بميسور في عصورنا هذه بعد توسّع الفقه وتشعّب مسائله ، وابتناء قسم منها على اطلاعات خاصّة في بعض العلوم ، وهذا يفرض علينا تقسيم التّخصّصات في الفقه لإحراز الأعلمية بواقعيّتها وحقيقتها في كلّ حسب تخصّصه ، ويتفرّع عليه التبعيض في التقليد ، وهذا وإن كان غريباً بدواً إلّا أنّه بلحاظ ما ذكرناه لا غرابة فيه ، خصوصاً بالنّسبة للعصور الآتية. وقد أوضحنا نظريّتنا في مقدّمة كتاب «المواهب في تحرير أحكام المكاسب» فراجعه (١).
__________________
(١) المواهب : ٤ ـ ٧.