ما هو الدّليل على نفوذ حكم المجتهد المطلق؟
اعلم بأنّ الشريعة الإسلامية الغرّاء ، تشريع كامل لم يترك شيئاً ممّا له ارتباط بحياة البشر عاجلاً وآجلاً. فقد عالج تلك النّاحية الحيويّة بنصب النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم والأئمة المعصومين (عليهمالسلام) حكاماً وقضاة ، واللّازم على الأُمّة الرّجوع إليهم (عليهمالسلام) فيما اختلفوا فيه حكماً كان أو موضوعاً ، وليس لأحد القضاء بين النّاس إلّا بإذن منه سبحانه ، وتوضيحه :
إنّ القضاء بين الناس لمّا كان ملازماً للتصرّف في أموالهم وأنفسهم ، احتاج التلبّسُ به إلى ولاية حقيقيّة يمارس في ظلّها ذلك التصرّف ، وليست هي إلّا لله سبحانه ، فلا ولاية لأحد على أحد ولا ينفذ قول أحد ورأيه في حقّ أحد ، إنمّا الولاية لله سبحانه ، قال تعالى : (إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ يَقُصُّ الْحَقَّ وَهُوَ خَيْرُ الْفاصِلِينَ) (الأنعام ـ ٥٧). وقال سبحانه : (إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ ...) (يوسف ـ ٤٠) ، إلى غير ذلك من الآيات الحاصرة حقّ الحكومة في الله سبحانه وحده لانحصار الولاية الحقيقيّة فيه.
ثمّ إنّ من لوازم القضاء كون الممارس له ، مجانساً لمن يقضي فيهم ، ولأجل ذلك نصب سبحانه أنبياءه (١) وأولياءه (عليهمالسلام) قضاةً للنّاس يحكمون فيهم بما أنزل الله سبحانه ولا يحيدون عنه قيد شعرة.
قال سبحانه : (يا داوُدُ إِنَّا جَعَلْناكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلا تَتَّبِعِ الْهَوى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللهِ ...) (ص ـ ٢٦). وقال سبحانه في حقّ نبيّه صلىاللهعليهوآلهوسلم : (وَما أَرْسَلْنا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا لِيُطاعَ بِإِذْنِ اللهِ وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا
__________________
(١) قال تعالى : (إنّا أنزَلْنا التّوراةَ فِيها هُدىً وَنُورٌ يحكُمُ بها النّبيُّونَ الّذينَ أسْلَمُوا لِلّذِينَ هَادُوا والرّبّانيُّونَ والأحْبارُ بِما اسْتُحْفِظُوا مِن كِتابِ اللهِ وَكانُوا عَلَيْهِ شُهَدَاء ...) (المائدة ـ ٤٤).