وليس الاستصحاب مبنيّاً على استتباع حجيّة فتوى المفتي في إنشاء أحكام مماثلة ظاهراً لفتاواه حتى يترتّب عليه ما فصّله (قدسسره) فإنّ القول بالاستتباع رأي عازب أو قول كاذب ، بل ملاكه هو استصحاب نفس الحجيّة الممضاة التي يترتّب عليها شرعاً عند الإبقاء ما كان يترتّب عليها حدوثاً ، وما قيل في الاستصحاب من اعتبار كون المستصحب حكماً شرعياً أو موضوعاً لحكم شرعيّ ، ليس أمراً جامعاً بل الملاك الجامع هو عدم كون التعبّد به أمراً لغواً في عالم التشريع ، فإذا لم يكن التعبّد بالحدوث لأجل وجود الغاية أمراً لغواً ، فهكذا الابقاء.
فإن قلت : أنّ الأثر المترتّب عليه هو جواز الرّجوع عرفاً في أخذ الأحكام وما أشبهه وراء مسألتي التنجيز والتعذير.
قلت : نعم ، ولكن لا حاجة في شمول أدلّة الاستصحاب له إلى لحاظه ، بل يكفي كون الحجيّة أمراً مجعولاً له ولو بالإمضاء.
جواب آخر لسيّدنا الأُستاذ (رضي الله عنه):
ثمّ إنّ لسيّدنا الأُستاذ جواباً آخر يدفع الإشكال في بعض الصور دون البعض حيث قال (رضي الله عنه) : «إنّ الحاجة إلى الاستصحاب في الحكم بجواز البقاء ، إنّما هو فيما إذا كانت فتوى الميّت مخالفة للحيّ الّذي يفتي بجواز البقاء إذ لو كانا متوافقي الفتوى وكانت عامّة فتاواه موافقة لرأي المجتهد الحيّ ، لكان له إرجاع العاميّ إلى الميّت من دون حاجة إلى الاستصحاب ، لقيام الحجّة عنده على صحّة هذه الفتاوى ، وليست الغاية إلّا الوصول إلى هذه الأحكام من دون دخالة التّقليد والأخذ بالرّأي.
فلو أدرك مكلّف في زمان بلوغه مجتهدين متساويين في العلم مختلفين في الفتوى ، فقد تسالم الأصحاب على كونه مخيراً في الأخذ بواحد منهما لدليل شرعيّ