أنّ الوجوب فيما إذا لم يلزم عسر لا فيما لزم ثانياً ، وشهادة الحال على خلافه ثالثاً خصوصاً بعد انتشار أمر الطباعة التي سهّلت أُموراً كثيرة ، فالرسالة المطبوعة المنتشرة في نطاق واسع تقوم مقام حضور الأعلم في المجتمعات ، إلى غير ذلك من الوجوه الواهية التي ذكرها الشيخ الأعظم (قدّه) نقلاً عن المجوّزين (١).
وخلاصة الكلام : إنّ الشكّ في حجيّة فتوى المفضول كاف في القطع بعدم حجّيتها ما لم يدل دليل قاطع عليها. هذا ، وكانت الشيعة في الأزمنة السابقة متفرّقة في البلاد والأصقاع ولم تكن المواصلات متوفرة مثل اليوم ، وكان الرّجوع إلى الأعلم المنحصر في واحد أو المتردّد بين اثنين في الأقطار الشيعيّة أمراً متعسّراً ، ولذلك كانوا يقلّدون الفاضل من قطرهم وبلدهم وإن لم يكن فاضلاً مطلقاً ، ولا شكّ أنّ المحقّق (رضي الله عنه) في عصره (٦٠٢ ـ ٦٧٦ ه ـ) والعلّامة الحليّ في زمانه (٦٤٨ ـ ٧٢٦ ه ـ) والشهيد في وقته (٧٣٤ ـ ٧٨٦ ه ـ) كانوا أعلم العلماء ، ولكنّ الشّيعة المتواجدين في خراسان وما والاها كانت منقطعة عن بلاد هؤلاء إلّا شيئاً لا يذكر ، فكان التكليف بتقليد هؤلاء تكليفاً متعسّراً جدّاً.
ما هو المراد من الأعلم :
إنّ المتبادر من الأعلم ـ قياساً على نظائره ـ هو الأكثر علماً بأن يكون اختلاف الفاضل والمفضول في زيادة العلم وقلّته ، وشدّته وضعفه ، ولكنّ المراد منه في المقام غير ذلك ، إذ هو الأقوى ملكة أو الأكثر خبرة من غيره ، والأعرف بدقائق الفقه ومباني الاستنباط.
وفي الرّوايات ما يشير إلى كلا الوجهين ، فالعمدة في بعضها على كثرة المعلومات ، يقول (عليهالسلام) : «اعرفوا منازل النّاس أو منازل شيعتنا أو منازل
__________________
(١) مطارح الأنظار : ٢٧٨ و ٢٧٩.