الرّجال منّا على قدر رواياتهم عنّا» (١) ، والعمدة في البعض الآخر على الأعرفيّة بدقائق الكلام ومعانيه ، فقد روى داود بن فرقد قال : سمعت أبا عبد الله (عليهالسلام) يقول : «أنتم أفقه النّاس إذا عرفتم معاني كلامنا ، إنّ الكلمة لتنصرف على وجوه ، فلو شاء إنسان لصرف كلامه كيف شاء ولا يكذب» (٢).
وخطب رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم في مسجد الخيف ، وقال : «نضَّر الله (٣) عبداً سمع مقالتي فوعاها ، وبلَّغها من لم تبلغه ، يا أيّها النّاس ليبلّغ الشاهد الغائب ، فرُبّ حامل فقه ليس بفقيه ، وربّ حامل فقه إلى من هو أفقه منه» (٤).
ترى أنّ النبيّ الأكرم صلىاللهعليهوآلهوسلم يركّز على الأفهميّة ، لا على الأكثريّة علماً ، هذا ولا تعارض بين الصنفين ، فمكانة الرّجل من حيث كثرة الصلة بأهل البيت (عليهمالسلام) وقلّتها تعرف من كثرة الرّواية وقلّتها ، فرُبّ راو ليس له من الفقه إلّا رواية أو روايتان ، وهذا يدلّ على قلّة صلته بهم (عليهمالسلام) وأمّا مكانته من حيث الفقاهة والتوغّل فيها فتعرف من أعرفيّته بدقائق كلامهم (عليهمالسلام) ومعانيه ، والحاصل : أنّ الملاك هو الذّكاء في مقام الاستنباط ، والتفرّس في فهم الكلام ، ولنذكر نموذجاً :
إذا ماتت الزّوجة وتركت أُختين وزوجاً ، فإنّ الفريضة تعول ، لأنّ للأختين الثلثين وللزّوج النّصف ، وليس في المال ثلثان ونصف ، فعند ما واجه المسلمون الواقعة تحيّر الجاهلون فالتجئوا إلى إيراد النّقص على الجميع ، ولكن أهل الذّكاء والفراسة فهموا من القرآن ما لم يفهمه الآخرون ، فهذا ابن عباس تبعاً لأُستاذه أمير
__________________
(١) الوسائل : ١٨ / ٩٩ وص ١٠٨ ـ ١٠٩ ، الباب ١١ من أبواب صفات القاضي ، الحديث ٣ و ٣٧ و ٣٨ و ٤١.
(٢) الوسائل : ١٨ / ٨٤ ح ٢٧ ، الباب ٩ من أبواب صفات القاضي.
(٣) نضّر : نوَّر.
(٤) الوسائل : ١٨ / ٦٣ ـ ٦٤ ح ٤٤ ، الباب ٨ من أبواب صفات القاضي.