فإن قلت : إنّ الرّجوع إلى المحاكم العاديّة الدوليّة التي لا تحكم على طبق ووفق الكتاب والسنّة أبداً ، هو حافظ للنظام ومانع من اختلاله ، كما كانت الحال على ذلك قبل الثورة الإسلامية في إيران.
قلت : إذا دار الأمر في حفظ النّظام بين الرّجوع إلى المحاكم الدولية وبين النزول عند حكم المقلِّد العارف بالأحكام الإسلامية عن تقليد ، فإنّ الثاني متعيّن ، لأنّ حرمة الأوّل مطلقة متأكدة ، قال الله سبحانه : (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَما أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلالاً بَعِيداً) (النساء ـ ٦٠). ولأجل ذلك نقول : لا مناص في حفظ النّظام من اختيار قضاء المقلِّد وتقديمه على المحاكم الدّولية بل وجودها وعدمها سواء ، فعلى الفقيه نصب العامّي العارف بالقضاء ، لرفع الخصومات بين الناس من غير فرق بين كون المورد من قبيل الشبهات الموضوعيّة أو الحكميّة ، وهي من القضايا التي قياساتها معها ، فإنّ ترك المرافعة والقضاء بين الناس يوجب اختلال النّظام وتضييع الحقوق والأموال ، وإيقاف الأمر إلى التمكّن من المجتهد النّائي أمر مشكل ، فعليه ، لو كانت الشبهة موضوعيّة (١) ، يعمل بقواعد «المدّعي والمنكر» ونحوها ، ولو كانت الشّبهة حكمية كمنجّزات المريض وثبوت الشفعة ، إذا كان الشّركاء أزيد من ثلاثة ، وتحريم عشر رضعات وأمثالها ، فنقول : بما أنّ القضاء فيها لا يحتاج إلى إقامة بيّنة وجرحها وتعديلها ، يكفي العثور على رأي المجتهد ، والحكم على وفقه.
ومع ذلك يجب على العامّي العارف ، مراعاة أمور من باب الاحتياط والأخذ بالقدر المتيقّن ، للتأكد من إصابة الحقّ ، وعليه تجنّب الشّبهات والتشاور في
__________________
(١) قيل : لا يقبح لزوم تعطيل المال في بعض المسائل الخلافيّة فيما لو لم يكن مستداماً كما لو تمكّن من الاستفتاء من المجتهد ولو في عرض سنة أو سنتين ، فلا ضير فيه.