وإلّا يلزم كثرة التخصيص المستهجنة (١) ، إذ للنبيّ والأئمة (عليهمالسلام) من بعده ، شئون كثيرة تختصّ بهم ولا تتجاوز غيرهم ، فلا عموم للمنزلة والولاية. بل يقتصر على الأمور المعهودة وهي القضاء بين النّاس وبيان الحلال والحرام ولزوم اتّباع النّاس لهم.
ثمّ إنّ القائلين بعموم الولاية ، أجابوا عن هذه الإشكالات وعمّا ذكره الشّيخ في المتاجر ، وقد ألّف السيّد الأستاذ رسالة خاصّة في هذا الموضوع ، وقد أتى فيها بتمام الأدلّة وأشبع الكلام في ما استظهر من الدّلالة ، ونحن نحيل القرّاء إليها ، والمقام لا يسع لنقل ما قيل أو يمكن أن يقال في المسألة.
إلّا أنّ للسيّد الأُستاذ (رضي الله عنه) في خصوص المقام كلام وهو : إنّ المستفاد من قوله (عليهالسلام) : «فليرضوا به حَكَماً فإنّي قد جعلته عليكم حاكماً» هو جعل الحكومة مطلقاً للفقيه ، وقد جعلهم الإمام حكّاماً على النّاس : ومن المعلوم أنّ جعل القاضي من شئون الحاكم والسلطان في الإسلام ، فجعل الحكومة للفقهاء مستلزم لجواز نصب القضاة ، والحكّام على النّاس شأنهم نصب الأمراء والقضاة وغيرهما ممّا تحتاج إليه الأُمّة كما كان الأمر كذلك في زمن رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم والخلفاء الحقيقيّين وغيرهم.
فلو جاز نصب العاميّ لهم بما أنّهم حكّام ، يجوز للمجتهد أيضاً لأجل تلك المنزلة (٢).
يلاحظ عليه : ليس المراد من قوله (عليهالسلام) «جعلته حاكماً» هو السّائس
__________________
(١) قيل : لو لم يبلغ كثرة التخصيص إلى حدّ الاستهجان ، كان حينئذ سبباً لوهن العامّ بحيث لا تطمئن النفس في العمل بعمومه إلّا بعد الاطمئنان بعدم كون المورد من الأفراد الخارجيّة. ولذا في قاعدة ـ لا ضرر ـ وأشباهها كلاحرج وآيات القصاص ، لا يعمل بعمومها لكثرة ما خرج عن تحتها ، إلّا بعد مشاهدة عمل جملة من الأساطين بها.
(٢) رسالة الاجتهاد والتقليد ـ تهذيب الأُصول : ٢ / ٥٣٣ بتصرّف.