الرابع : إذا كان في المسألة نصّ قطعي السّند والدّلالة فلا موضوع للاجتهاد وبالتالي لا موضوع للتصويب والتّخطئة. قال ابن القيّم ناقلاً عن الشافعي :
«أجمع النّاس على أنّ من استبانت له سنّة عن رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم لم يكن له أن يدعها لقول أحد من الناس وتواتر عنه (أي الشافعيّ) أنّه قال : وإذا صحّ الحديث فاضربوا بقولي الحائط ، وصحّ عنه أنه قال : إذا رويت عن رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم حديثاً ولم آخذ به ، فاعلموا أنّ عقلي قد ذهب ، وصحّ عنه أنّه قال : لا قول لأحد مع سنّة رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم» (١).
إذا تبيّن موضع النّقاش وعلم أنّ النزاع في التخطئة والتصويب في أمر آخر وهو هل أنّ لله في كلّ حادثة حكماً معيّناً قبل اجتهاد المجتهد أو لا؟
نقول : مذهب أصحابنا وجماعة من أهل السنّة والأباضيّين (٢) إلى أنّ لله سبحانه في كلّ واقعة حكماً معيناً يتّجه إليه المجتهد فيصيبه تارة ويخطئه أُخرى فالحقّ واحد قد يدرك وقد لا ، ويبدو أنّ النزاع في التصويب والتخطئة نشأ من تجويز العمل بالقياس وبأخبار الآحاد ، قال الطوسيّ (رضي الله عنه) :
«واعلم أنّ الأصل في هذه المسألة القول بالقياس والعمل بأخبار الآحاد ، لأنّ ما طريقه التواتر وظواهر القرآن فلا خلاف بين أهل العلم أنّ الحقّ فيما هو معلوم من ذلك ، وإنّما اختلف القائلون بهذين الأصلين فيما ذكرناه» (٣).
إذا عرفت ما ذكرناه ، فاعلم أنّه يظهر من الشيخ أنّ أكثر المتكلّمين والفقهاء
__________________
(١) أعلام الموقعين لابن القيم الجوزية : ٢ / ٢٨٢.
(٢) الاباضيّة : عبد الله بن إباض المقاعسيّ المريّ التميمي من بني مرّة بن عبيد بن مقاعس ، رأس الاباضيّة ، وإليه نسبتهم وقد عاصر معاوية وعاش إلى أواخر أيّام عبد الملك بن مروان (على ما عليه الأباضيّة) ، توفّي عام ٨٦. (بحوث في الملل والنحل ـ للشيخ الأُستاذ : ٥ / ٢١٨).
(٣) العدّة : ٢ / ١١٤.