أخبار الثقات ولو بان وانكشف الخلاف ، فإنّه يرفع اليد عن مقاصده تسهيلاً على العباد (١).
وليس ذلك بتصويب ، لأنّ التصويب عبارة عن اختصاص الأحكام الواقعية بالعالم ، وعدم توجهها إلى الجاهل أبداً ، والمقام خلاف ذلك ، لأنّا نفترض أنّ الأحكام الواقعيّة مشتركة بين العالم والجاهل من دون تفاوت بينهما ، إلّا أنّ الله سبحانه وتعالى تسهيلاً على العباد اكتفى في امتثال أوامره ونواهيه بإخبار الثقات لأنّه يراها مطابقة للواقع بنسبة عالية «تسعين بالمائة» ومتخلّفة عنه «عشرة بالمائة» فأوجبت المصلحة التسهيليّة رفع اليد عن هذا العدد الضئيل من موارد التخلّف لما في إلزام العبد بتحصيل العلم وترك العمل بخبر الواحد من مفسدة العسر والحرج الممنوعة ، واختلال النّظام.
فإن قلت : إنّ لسان الامارة لسان الطريقيّة فلا أثر لها سوى الحكاية عن الواقع والكاشفيّة والمرآتيّة ، والمفروض عدم إيصالها إلى الواقع ، ولازم الاشتغال القطعيّ لزوم الإتيان مجدّداً.
قلت : هذا صحيح ، ولازمه ترتيب الأثر على الحجّة الثانية المبطلة للامارة الأُولى لو لا الملازمة العرفيّة التي ذكرناها والتي تفيد أنّ المولى سبحانه اكتفى في مقام الامتثال بما أدّت إليه الامارة.
__________________
(١) وترغيب الناس إلى أساس الدّيانة والإسلام الّذي هو الشريعة السهلة السمحاء ، ولا يكون للتسهيل معنىً محصّلاً إلّا جواز ترتيب آثار الواقع ، فيسقط أمر المولى المتعلّق بالطبيعة ، وتكون الامارات منجزات لا معذّرات. هذا ولم يرد من الأئمة (عليهمالسلام) ـ كما قيل ـ في هذا الأمر العامّ البلوى ـ لا سيّما عند الإماميّة المفتوح عندهم باب الاجتهاد ـ حديث. وأيُّ مانع من أن يكون المقام مثل أعمال العامّة إذا استبصروا ، بل ما نحن فيه أولى بذلك كما لا يخفى.
وعليه : فالقاعدة الأوّليّة هي الإجزاء إن لم يقم دليل من إجماع وعقل أو نقل على محفوظيّة تلك الواقعيّات وإلّا لا يقال برفع اليد عنها لعدم أقوائيّة ملاك التسهيل.