تلك النعمة؟ وأين العدالة؟ وأين الحكمة؟ ولما ذا لا تعطيني مثله؟ بل قد يتصور نسبة العجز إلى الله تعالى عند ما يعطي غيره ولا يعطيه هو ولهذا يفضل أن تسلب تلك النعمة من ذلك الشخص وتصل إليه.
وعلى هذا الأساس فالحاسد في الحقيقة يعيش في حالة من اهتزاز دعائم الإيمان والتوحيد الأفعالي في واقعه الروحي ، لأن الإنسان المؤمن بأصل التوحيد الأفعالي يعلم جيداً أن تقسيم النعم الإلهية على العباد لا يكون اعتباطياً ، بل وفق ما تقتضيه الحكمة الإلهية ، ويعلم كذلك أنّ الله تعالى يملك القدرة في أن يرزقه أكثر وافضل من ذلك الشخص فيما لو كان يتمتع باللياقة لمثل هذه النعم والمواهب ، إذن عليه أن يسعى لتحصيل القابلية واللياقة لذلك.
ولهذا نقرأ في الحديث القدسي حيث يخاطب الله تعالى نبيه زكريا : «الْحَاسِدُ عَدُوٌّ لنِعْمَتِي ، مُتَسَخِّطٌ لِقَضَائِي ، غَيْر رَاضٍ لِقِسْمَتِيَ الَّتِي قَسَمْتُ بَيْنَ عِبَادي» (١).
وقد ورد شبيه هذا المضمون عن رسول الله صلىاللهعليهوآله حيث قال : «إنّ الله تعالى أوحى إلى موسى بن عمران : «لَا تَحْسُدَنَّ النَّاسُ عَلَى مَا آتَيْتُهُمْ مِنْ فَضْلِي ، وَلَا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ الَى ذَلِكَ ، وَلَا تَتَّبِعُهُ نَفْسَكَ ، فَانَّ الْحَاسِدَ سَاخِطٌ لِنِعَمِي ، ضَادٌّ لِقَسْمِيَ الّذي قَسَمْتُ بَيْنَ عِبَادي وَمَنْ يَكُ كَذَلِكَ فَلَسْتُ مِنْهُ وَلَيْسَ مِنّي!» (٢).
والخلاصة أنّ الحسود لا يتمتع في الحقيقة بدعائم إيمانية وعقائدية راسخة وإلّا فإنه يعلم أنّ حسده ما هو إلّا نوع من أنواع الإنحراف عن خط التوحيد وعن الحقّ.
ويقول الشاعر في هذا المجال :
الا قل لمن كان لي حاسداً |
|
أتدري على من اسأت الأدب؟! |
اسأت على الله في فعله |
|
إذا أنت لم ترض لي ما وهب! (٣) |
__________________
١ ـ المحجّة البيضاء ، ج ٥ ، ص ٣٢٦.
٢ ـ اصول الكافي ، ج ٢ ، ص ٣٠٧.
٣ ـ سفينة البحار ، مادّة حسد.