ونقرأ في حديث آخر أنّه سُئل الإمام عليهالسلام عن حقيقة التوكل فقال : «لَا تَخَافُ سِوَاهُ» (١).
ويستفاد من هذه العبارات أنّ روح التوكل هي الانقطاع إلى الله وهجر التعلق بالمخلوقات والأسباب ، وما لم يصل الإنسان إلى هذه المرتبة فهو بعيد عن حقيقة التوكل ، وكذلك يستفاد من الروايات الرفض الأكيد للمفهوم السلبي من التوكل ، أي ترك الاستفادة من الأسباب المادية ، فقد ورد في حديث معروف أنّ رجلاً اعرابياً ترك ناقته وجاء إلى رسول الله صلىاللهعليهوآله قائلاً : «تَوَكَّلْتُ عَلَى اللهِ» فقال له النبي صلىاللهعليهوآله : «اعْقِلْهَا وَتَوَكَّلْ» (٢).
ولهذا السبب ورد في الآيات الكريمة والسنّة النبوية نصوص كثيرة توجب على المؤمنين الأخذ بالأسباب الظاهرية وأنّ ذلك لا يتقاطع مع روح التوكل من قبيل قوله تعالى : (وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِباطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللهِ وَعَدُوَّكُمْ ...)(٣).
ومن جهة اخرى نرى أنّ القرآن الكريم يبيّن للمسلمين كيفية صلاة الخوف ويقول : (... وَلْيَأْخُذُوا حِذْرَهُمْ وَأَسْلِحَتَهُمْ ...)(٤).
وعلى هذا الأساس نرى أنّ القرآن الكريم يوجب على المسلمين الأخذ بأدوات الحذر والحيطة تجاه العدو حتّى في حال الصلاة ، فكيف الحال في الموارد الاخرى؟
إن النبي الأكرم صلىاللهعليهوآله نفسه لم يتحرك في هجرته من مكّة إلى المدينة من موقع اللامبالاة بالخطر وبدون تخطيط مسبق والاكتفاء بقول (تَوَكَّلْتُ عَلَى اللهِ) ، بل تحرك على مستوى اغفال العدو بأن طلب من الإمام علي عليهالسلام من جهة أن ينام على فراشه إلى الصباح ، ومن جهة اخرى خرج من مكّة ليلاً وعلى أتم السريّة والخفاء ، ومن جهة ثالثة لم يتوجه شمالاً صوب المدينة مباشرة ، بل توجه نحو الجنوب قليلاً وبقي في غار ثور لثلاثة أيّام مختفياً عن
__________________
١ ـ بحار الأنوار ، ج ٦٨ ، ص ١٤٣ ، ح ٤٢.
٢ ـ المحجّة البيضاء ، ج ٧ ، ص ٤٢٦ ، كنز العمّال ، ح ٥٦٨٧ و ٥٦٨٩.
٣ ـ سورة الأنفال ، الآية ٦٠.
٤ ـ سورة النساء ، الآية ١٠٢.