وفي حديث آخر عن رسول الله صلىاللهعليهوآله أنّه قال : «أَتنزَعُونَ عَنْ ذِكرِ الفاجِرِ أَنْ تَذكُرُوه ، فَاذكُرُوهُ يَعرِفُهُ النّاسُ» (١).
والأحاديث في هذا الباب كثيرة.
ولكن الظاهر أنّ مثل هؤلاء الأفراد خارجون بالتخصص من موضوع الغيبة لا أنّ حكم الغيبة يشملهم أولاً ثم يدخلون في مستثنيات الغيبة ، لأنّ للغيبة شرطين :
الأول : أن يكون العيب مستوراً وهذا الشرط لا يتوفر في هؤلاء الأشخاص.
الثاني : كراهية الطرف الآخر لأن يذكر بسوء ، وهذا الشرط أيضاً غير متوّفر فيما نحن فيه لأنّ المتجاهر بالفسق لو كان يتأثر ويتألم من ذكره بسوء لم يكن يرتكب ذلك العمل علانية وجهراً ، وبتعبير علماء الاصول أنّ خروج مثل هؤلاء الأشخاص يكون بالتخصص لا بالتخصيص.
وهنا تثار عدّة أسئلة في هذا الصدد ، الأول هو أنّه هل أنّ جواز غيبة المتجاهر بالفسق يختص بالذنوب التي تجاهر بها أو يستوعب جميع الذنوب فتكون غيبته جائزة مطلقاً؟
والآخر هو أنّه إذا كان يتجاهر بالفسق عند جماعة معينة أو في مكان خاص ولكنه لا يرتكب ذلك المنكر أمام جماعة اخرى أو في مكان آخر فهل يجوز غيبة هذا الشخص أيضاً؟
والثالث هو هل أنّ جواز غيبة المتجاهر بالفسق مشروط بوجود شرائط الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، أي أن تكون الغيبة مؤثرة في عملية الردع وإلّا فلا تجوز؟
ونظراً لما تقدّم من بيان حالة هؤلاء الأفراد من الناحية الشرعية يتّضح الجواب عن هذه الأسئلة جميعاً ، وهو أنّ غيبة هؤلاء الأشخاص إنّما تجوز في موارد التجاهر بالفسق ، ولكن بالنسبة إلى الأعمال الاخرى أو الوسط الآخر والأجواء الاخرى ، فلا تجوز ، لأنّ أدلة حرمة الغيبة لا تشمل المتجاهر بالفسق ومن المعلوم أنّ حالة التجاهر لا يستوجب توّفر شرائط الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، فلا ضرورة لها لأنّ عناصر تشكيل الغيبة غير متوّفرة.
__________________
١ ـ كنز العمال ، ج ٣ ، ص ٥٩٥ ، ح ٨٠٦٩.