نجاحاً أكبر بكثير ممّا لو استخدم طرق اخرى مقرونة بالخشونة والجفاء الروحي لتحقيق هذا الهدف ، وهذا المعنى مجرّب على مستوى الممارسة بكثرة.
«الآية السادسة» والأخيرة من الآيات محل البحث تقرّر أنّ المداراة واللّين محبّذة حتى مع الأعداء الشرسين وتؤثر في أعماق نفوسهم تأثيراً بالغاً وتقول الآية : (ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَداوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ).
وبالطبع فإنّ دفع السيئات بالحسنات له طرق ومصاديق مختلفة ، أحدها أن يتعامل الشخص من موقع المداراة والأدب والبشاشة مع عدوّه المعاند والحقود إلى درجة بحيث يمكن أن ينقلب هذا الإنسان الحقود إلى صديق محبّ ويتحوّل بصورة تامّة من حالة العداوة والبغضاء إلى حالة الصداقة والمحبّة.
والملفت للنظر أنّ الآية التي تليها تؤكد على أنّ هذه المرتبة هي من شأن الصابرين والذين يتمتّعون بحظ وافر من الإيمان والتقوى والتوفيق وتقول : (وَما يُلَقَّاها إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَما يُلَقَّاها إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ).
وطبعاً فالوصول إلى هذه المرتبة من حسن الخلق بحيث يواجه الإنسان السيئات بعكسها من الحسنات ليست من شأن كلّ إنسان لأنها تحتاج إلى تسلط كامل على قوى النفس ولا يستطيع ذلك إلّا من اوتي حظاً عظيماً من سعة الصدر وتخلّص من عقدة الانتقام.
ومن مجموع الآيات محل البحث نستوحي هذا المفهوم القرآني في دائرة الأخلاق الإسلامية وهو أنّ القرآن الكريم دعى الناس إلى حسن الخلق والتعامل فيما بينهم من موقع المحبّة والمداراة ، وفي ذلك كان رسول الله صلىاللهعليهوآله اسوة ونموذجاً كاملاً في هذا السلوك الإنساني بحيث يمكن القول بأنّ أحد معجزات النبي الأكرم صلىاللهعليهوآله هي سلوكه الأخلاقي العظيم.