المنحرفين بأمل أن يؤثر هذا السلوك الأخلاقي والإنساني في قلوبهم.
وهنا يثار هذا السؤال ، وهو ما الفرق بين قوله : (يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشى)؟
ويمكن القول بأنّ المقصود من ذلك أنّكما إذا حدثتماه بكلام ليّن وفي نفس الوقت ذكرتم له بصراحة ووضوح مضمون الدعوة الإلهيّة وبدلائل منطقيّة فلعله يقبل ويؤمن بها من أعماق قلبه ، ولو لم يؤمن فلا أقل فانه سيخاف من العقوبة الإلهية بسبب العناد والاصرار على الكفر والابتعاد عن طريق الحق :
ويقول (الفخر الرازي) : «نحن لا نعلم لماذا أرسل الله تعالى موسى إلى فرعون مع أنّه يعلم أنّه لا يؤمن أبداً؟ ثم يقول : في مثل هذه الموارد ليس لنا سوى التسليم في مقابل الآيات القرآنية ولا سبيل إلى الاعتراض» (١).
ولكن جواب هذا السؤال واضح ولا ينبغي أن يخفى على من مثل الفخر الرازي ، لأنّ الله تعالى يهدف إلى إتمام الحجة ، أي حتّى بالنسبة إلى الأشخاص الذين لا يؤمنون قطعاً فإنّ الله تعالى يتمّ الحجّة عليهم كي لا يقفوا في الآخرة موقف الاعتراض على العقاب الاخروي وأنّهم لم يصل إليهم النداء الإلهي ولم يجدوا رسولاً أو نبيّاً يخبرهم بالخبر كما ورد هذا المضمون في الآية ١٦٥ من سورة النساء حيث يقول تعالى : (رُسُلاً مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ).
وأمّا قوله لعله (يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشى) فهو بمعنى أنّ طبيعة التبليغ لا بدّ وأن تكون مقرونة باللين والمداراة ليصل الإنسان إلى النتيجة المتوخّاة ، رغم أنّه قد يواجه النبي الإلهي موانع صعبة تنبع من ذات الأفراد ، وبعبارة اخرى أنّ التبليغ المقرون باللّين والمحبّة هو مقتضي للقبول لا علّة تامّة.
وبديهي أنّه بالرغم من أنّ المخاطب في هذه الآية هو موسى وهارون فحسب ولكن مفهوم الآية شامل لجميع المبلّغين لرسالات الله والآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر ، وهكذا يتّضح أنّ الإنسان قد يتحرّك من موقع هداية الناس باللّين والعطف والمداراة ويحقّق
__________________
١ ـ تفسير الفخر الرازي ، ذيل الآية المبحوثة (ج ٢٢ ، ص ٥٩).