وقد ورد التصريح بهذا المعنى أيضاً في الروايات الإسلامية التي سوف نشير إليها لاحقاً.
أمّا ما ورد في شأن نزول هذه الآية فأنّه يشير بوضوح إلى سعة مفهوم الأمانة أيضاً ، لأنّ سبب نزول هذه الآية كما ورد في الروايات هو أنّ النبي صلىاللهعليهوآله عند ما دخل مكّة منتصراً جاءه (عثمان بن طلحة) خازن الكعبة بأمر من رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم إليه مفاتيح الكعبة ليطهرها من الأصنام الموجودة في داخلها ، وبعد أن تمّ تطهير الكعبة من الأوثان جاء العباس عمّ النبي صلىاللهعليهوآله وطلب من رسول الله صلىاللهعليهوآله أن يكون خازن بيت الله وأن يسلّمه مفاتيح الكعبة والذي يعتبر منصباً مهمّاً لدى المجتمع العربي والإسلامي آنذاك ، ولكن رسول الله صلىاللهعليهوآله لم يوافق على هذا الطلب وأعاد المفتاح إلى (عثمان بن طلحة) ثم تلى هذه الآية الشريفة ((إِنَّ اللهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَماناتِ إِلى أَهْلِها ...) هذا في حين أنّ عثمان بن طلحة لم يعتنق الإسلام بعد.
«الآية الثالثة» تتحرّك من موقع النهي عن ثلاثة أشياء مخاطبة المؤمنين في هذا النهي وهي : خيانة الله ، خيانة الرسول ، خيانة أمانات الناس ، وتقول : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَخُونُوا اللهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَماناتِكُمْ)(١)(وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ»).
والمشهور بين المفسرين أنّ المقصود بحفظ أمانة الله ورسوله والنهي عن خيانتهما هو عدم إفشاء أسرار المسلمين حيث قام بعض الأفراد من ضعفاء الإيمان إلى إفشاء أسرار المسلمين إلى المشركين بهدف حفظ منافعهم الشخصية ولكنّ الله تعالى أعلم بيّنة ذلك ، وكنموذج على هذا المضمون هو قصة (أبو لبابة) الذي أخبر عن بعض الأسرار العسكرية للمسلمين وكشفها لأعدائهم من اليهود من (بني قريظة) ، أو قصة حركة النبي لفتح مكّة وإفشاء هذا السر لأبي سفيان ، والمراد من الخيانة في أماناتكم الوارد في الآية الشريفة هو
__________________
١ ـ وردت احتمالات عديدة حول اعراب جملة «وتخونوا أماناتكم» والأنسب ما قيل في هذا المورد أن تخونوا مجزوم ب «لاء» محذوفة ومعطوف على لا تخونوا التي وردت في الجملة ، فعليه أنّ الواو ، واو عاطفة لا واو حالية بمعنى «مع».