العظيمة للأمانة وأنّ لها مفهوم عام يستوعب في مضمونه التحكيم بين الناس من موقع العدل وأنّه أحد مصاديق أداء الأمانة ، لأنّ الأمانة بمفهومها العام تشمل جميع المقامات والمناصب الاجتماعية التي تعتبر أمانات إلهية ، وكذلك أمانات بشرية من قبل الناس بيد أصحاب المناصب هذه.
والتأكيدات الواردة في ذيل الآية الشريفة تقرّر من جهة أنّ الأمر بالأمانة والعدالة ما هي إلّا موعظة إلهية حسنة للناس ، ومن جهة اخرى تحذّر الجميع بأنّ الله تعالى يراقب أعمالكم وسلوكياتكم ، وهذا يعطي أهميّة مضاعفة على هذين المفهومين وهما رعاية الأمانة والعدالة.
ونقرأ في التفسير الكبير للفخر الرازي أنّ الأمانة لها ثلاث موارد وفروع :
الأمانة الإلهية ، وأمانة الناس ، وأمانة النفس ، ثم يتطرّق الفخر الرازي إلى شرح كل واحدة من هذه الفروع والأغصان للأمانة بالتفصيل ومن جملتها أداء الواجبات وترك المحرمات حيث يعتبرها من موارد الأمانات الإلهية ، ويقسّمها إلى تقسيمات عديدة ، منها أمانة اللسان ، أمانة العين والاذن (أي أنّ الإنسان يجب أن لا يتحرّك بالمعصية ، والعين لا تنظر بنظر الخيانة ، والاذن لا تسمع الكلام المحرّم).
أمّا الأمانات البشرية فهي من قبيل الودائع التي يضعها بعض الناس لدى البعض الآخر وكذلك ترك التطفيف في الميزان وترك الغيبة ورعاية العدالة من جهة الحكّام والامراء وعدم تحريك العوام من موقع التعصّب للباطل وأمثال ذلك ، أمّا أمانة الإنسان بالنسبة إلى نفسه فيرى الفخر الرازي أنّ على الإنسان أن يختار لها خير الدين والدنيا ولا يستسلم لدوافع الشهوة والغضب وما يترتب عليهما من ذنوب وآثام. (١)
إنّ سعة مفهوم الأمانة وشمولها لكثير من الوظائف المهمّة والنعم الكثيرة قد ورد في الكثير من التفاسير المهمّة ، منها تفسير (أبو الفتوح الرازي) و (القرطبي) وتفسير (في ظلال القرآن) وتفسير (مجمع البيان) وغيرها من التفاسير الاخرى.
__________________
١ ـ تفسير فخر الرازي ، ج ١٠ ، ص ١٣٩ ذيل الآية المبحوثة.