٢ ـ وورد في حديث آخر عن الإمام الحسن العسكري عليهالسلام قوله : «جُعِلَتِ الْخَبائِثُ كُلُّها فِي بَيْتٍ وَجُعِلَ مِفْتاحُهُ الْكِذْبَ» (١).
والعلّة في ذلك جليّة ، وهي أنّ الإنسان الكاذب عند ما يجد نفسه في معرض الفضيحة فأنّه يتحرك في عمليّة التغطية على نقائصه ومعايبه من موقع الكذب والخداع ، وبعبارة اخرى : إنّ الكذب يبيح له إرتكاب أنواع الذنوب من دون أن يخاف الفضيحة ، في حين أنّ الإنسان الصادق سيجد نفسه مضطراً إلى ترك سائر الذنوب لأنّ الصدق لا يسوغ له إرتكاب الذنب ، والخوف من الفضيحة بسبب الصدق يدعوه إلى ترك الذنوب.
وكما سبق وأن ذكرنا الحديث المعروف عن الرجل الذي جاء إلى النبي الأكرم صلىاللهعليهوآله وهو ملّوث بأنواع الذنوب وطلب منه النبي صلىاللهعليهوآله أن يترك الكذب فقط فقبل منه ذلك ، وكان هذا سبباً في أن يترك جميع الذنوب (٢).
٣ ـ ويستفاد من الأحاديث الاخرى أنّ الكذب لا ينسجم اطلاقاً مع الإيمان كما نقرأ في الحديث الشريف : «سُئِلَ رَسُولُ اللهِ صلىاللهعليهوآله يَكُونُ الْمُؤمِنُ جُبانَاً؟ قالَ : نَعَمُ ؛ قَيلَ وَيَكُونُ بَخِيلاً؟ قالَ نَعم ، قِيلَ يَكُونُ كَذاباً قالَ : لَا» (٣).
ونفس هذا المضمون ورد بصورة اخرى عن أمير المؤمنين عليهالسلام حيث يقول : «لا يَجِدُ الْعَبْدُ طَعْمَ الإِيِمانِ حَتّى يَتْرُكَ الْكِذْبَ هَزْلَهُ وَجِدَّهُ» (٤).
ولكن لماذا لا ينسجم الكذب مع الإيمان؟ لأنّ الكذب إمّا أن يكون لغرض تحصيل الإنسان لمنفعة معيّنة أو للخلاص من مشكلة وأزمة ، فلو كان إيمان الإنسان قوياً ومستحكماً في القلب فأنّه يرى أنّ الخير والشر كلاهما بيد الله تعالى وهو الذي بأمكانه حلّ مشكلاته وإنقاذه من الازمات التي يمر بها في مواجهة تحدّيات الواقع والحياة وهو الذي يدفع عن الإنسان أنواع البلايا والمخاطر ، فلو أنّ الإنسان تمسك بغصن من أغصان التوحيد
__________________
١ ـ بحار الانوار ، ج ٦٩ ، ص ٢٦٣.
٢ ـ شرح نهج البلاغة ، ابن أبي الحديد ، ج ٦ ، ص ٣٥٧.
٣ ـ جامع السعادات ، ج ٢ ، ص ٣٢٢.
٤ ـ اصول الكافي ، ج ٢ ، ص ٣٤ ، ح ١١.