والملفت للنظر أنّ مدّة العهد الباقية لهذه الطائفة (قبيلة بني خزيمة) عشر سنوات منذ صلح الحديبية ، وكان قد بقي لديهم من هذا الزمان وهو عام الفتح سبع سنين ، حيث يجب على المسلمين تحمّل وجودهم إلى نهاية هذه المدّة الطويلة ، فمع أنّ موقف الإسلام الشديد تجاه مسألة الشرك والوثنية إلّا أنّه مع ذلك أوجب على المسلمين رعاية هذا الحق في هذه المدّة الطويلة.
«الآية السادسة» تخاطب جميع المسلمين وتأمرهم بالوفاء بعهد الله وتقول : (وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللهِ إِذا عاهَدْتُمْ وَلا تَنْقُضُوا الْأَيْمانَ بَعْدَ تَوْكِيدِها وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلاً).
أمّا المراد من عهد الله تعالى في هذه الآية ما هو؟ فهناك اختلاف بين المفسّرين ، فمنهم من ذهب إلى أنّ معناه هو العهود التي يبرمها الناس مع الله تعالى ، أو البيعة مع رسول الله صلىاللهعليهوآله ، في حين ذهب البعض الآخر إلى أنّ المراد هو جميع العهود التي يبرمها الإنسان مع الله تعالى أو مع الناس أو النبي الأكرم صلىاللهعليهوآله ، وعليه يكون لها مفهوم عام وأنّ الله تعالى أمر بذلك ، فهو نوع من عهد الله تعالى ، أو يكون المراد العهود التي تبرم بين الأشخاص في ظل اسم الله تعالى كما يشبه الإيمان القسم الذي يورده الإنسان باسم الله مع الآخرين.
وعلى كلّ حال فإنّ مفهوم الآية سواء كان عامّاً أو خاصّاً فإنّه يدل على أهمية الوفاء بالعهد في دائرة المفهوم القرآني والإسلامي.
واللطيف أنّ القرآن الكريم بعد أن ذكر مسألة الوفاء بالعهد والقسم في هذه الآية فإنّه يتابع ذلك بالقول : (وَلا تَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَها مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ أَنْكاثاً تَتَّخِذُونَ أَيْمانَكُمْ دَخَلاً بَيْنَكُمْ»)(١).
ويستفاد من هذا التعبير أنّ عدم الالتزام باليمين والعهد من موقع الوفاء والانضباط هو نوع من الحماقة والسفه ، وكذلك الحال في الاستفادة من العهود لغرض الخيانة والخداع والفساد.
__________________
١ ـ سورة النحل ، الآية ٩٢.