٥ ـ إنّ المصلح يجب أن يتوقّى التحيز إلى أحد الطرفين ويتجنّب ذلك مهما أمكن وبعبارة اخرى أن يكون محايداً وفي نفس الوقت محبّاً ونصوحاً إلى كل واحد من الطرفين ، لأنّ أي تحيز إلى أحدهما سوف يمنعه من الوصول إلى النتيجة المطلوبة ، وطبعاً يستثنى من ذلك الأشخاص الذين لم يتعلّموا المنطق الإنساني ولا يتعاملون إلّا من موقع الجهل والتعصّب والعناد أمام الحق وعملية الإصلاح فإنّه ينبغي سلوك طريق آخر معهم كما تقدّم في تفسير الآيات أعلاه.
٦ ـ وفي كثير من المواقع يحتاج الإصلاح إلى سلوك طريق طويل محفوف بالمكاره ويحتاج إلى الصبر والتأنّي والتعامل مع القضية ببرود الأعصاب ، فالشخص المصلح لا ينبغي أن ييأس بسرعة ويوصد الأبواب أمامه ، بل يجب أن يعلم أنّ أشدّ التعقيدات الاجتماعية وأعمق المشكلات يمكن حلّها بالصبر والتأنّي والتفكير والتدبير ، وعليه فإذا لم يفلح في مرحلة من المراحل فلا ينبغي أن يعلن فشله ويتراجع عن مسيرته الإصلاحية.
وبتعبير آخر : إنّ الافساد بين الناس عمل تخريبي يسير ولكن الإصلاح له بعد بناء ومعقّد ، فالبناء العظيم يمكن تدميره بعدّة قنابل فيغدوا تراباً في لحظات ، ولكنّ تشييد مثل هذا البناء يحتاج إلى سنوات مديدة ، وهكذا الحال في بناء الثقة والمحبّة والاعتماد المتقابل بين أفراد المجتمع البشري ، فتخريب مثل هذا البناء الاجتماعي سهل يسير ، ولكنّ بناءه وتشييده هو عملية معّقدة تحتاج إلى مدّة طويلة وصبر كبير ، وعليه فإنّ عملية الإصلاح لا تنسجم مع التسّرع والعجلة.
ونختم هذا الكلام بحكاية ذات مغزى أوردها المجلسي في كتاب بحار الانوار ، نقلاً عن بعض العلماء وهو أنّه : باع بعضهم عبداً وقال للمشتري ما فيه عيب إلّا النميمة ، قال رضيت به ، فاشتراه فمكث الغلام أيّاماً ثم قال لزوجة مولاه : إنّ زوجك لا يحبّك وهو يريد أن يتسرى عليك فخذي الموسى واحلقي من قفاه شعرات حتى أسحر عليها فيحبّك ، ثم قال للزوج : إنّ امرأتك اتخذت خليلاً وتريد أن تقتلك فتناوم لها حتى تعرف ، فتناوم فجاءته