قلوب المؤمنين مملوءة بحسن الظن بالله تعالى فإنّما هو لأجل أنّ المشركين والمنافقين لا يرون من الامور إلّا ظاهرها ولا يتحرّكون إلّا من موقع الأخذ بظاهر الحوادث والوقائع دون الحقائق الكامنة في باطنها ، في حين أنّ المؤمنين الحقيقيين يتوجّهون إلى باطن الامور ويأخذون بالمحتوى والمضمون للواقعة.
وتستعرض «الآية الرابعة» أيضاً سوء الظن بالنسبة إلى الوعد الإلهي الذي تزامن مع حرب الأحزاب ، وهي الحرب التي اعتبرت أخطر الحروب التي واجهها النبي صلىاللهعليهوآله والمسلمون ، لأنّ المشركين كانوا قد اتحدوا مع جميع المخالفين للإسلام وشكّلوا أعظم جيش في ذلك الزمان بهدف القضاء على الإسلام والمسلمين ، وكان هذا الجيش من القوة والعظمة أنّ ضعيفي الإيمان تزلزلوا لذلك وشككوا بالوعود الإلهية في نصرة النبي الأكرم صلىاللهعليهوآله والمسلمين ، فتقول الآية حاكية عن هذه الحالة الشديدة التي كان يعيشها المسلمون في ذلك الوقت العصيب : (إِذْ جاؤُكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَإِذْ زاغَتِ الْأَبْصارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَناجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللهِ الظُّنُونَا* هُنالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزالاً شَدِيداً).
ولا شك أنّ سوء الظن بالله تعالى يختلف كثيراً عن سوء الظن بالناس ، لأنّ سوء الظن بالناس غالباً ما ينتهي بارتكاب الإثم أو سلوك طريق خاطيء في التعامل مع الطرف الآخر ، في حين أنّ سوء الظن بالله تعالى يتسبب في تزلزل دعائم الإيمان وأركان التوحيد في قلب المؤمن ، أو أنّه يكون دافعاً وعاملاً من العوامل لذلك ، لأنّ الاعتقاد بأنّ الله تعالى قد يخلف وعده يقع في دائرة الكفر ، لأنّ خلف الوعد إمّا ناشيء من الجهل أو العجز أو الكذب ، ومعلوم أنّ كل واحد من هذه الامور محال على الله تعالى وأنّ الذات المقدّسة منزّة عن هذه الامور السلبية ، ولهذا السبب فإنّ الآيات محل البحث التي تستعرض سوء الظن بالله تذم هذه الحالة بشدّة وعنف.
«الآية الخامسة» تتحدّث أيضاً عن سوء الظن بالله تعالى ، وهذه الآية ناظرة إلى