ضبطها والسيطرة عليها ولا يسمحون لأنفسهم بالتلّوث بأنواع الخطايا والذنوب لأجل ذلك.
إنّ ذكر هذه الصفة بعد مسألة التوقّي من الذنوب والآثام الكبيرة لعله بسبب أنّ حالة الغضب تقود النفس إلى التحرر من قيود العقل وتفكّ عن قوى الشر جميع الضوابط الأخلاقية والشرعية لتتحرّر وتنطلق في كل إتجاه.
ومن الملفت للنظر أنّ هذه الآية لا تقول : إنّ هؤلاء لا يغضبون ، لأنّ الغضب في مواجهة المصاعب اللاملائمات والتحدّيات هو حالة طبيعية لدى الإنسان ، بل تقرر أنّ هؤلاء في حال الغضب يتحركون من موقع السيطرة على حالة الغضب هذه وأن لا يخضع الإنسان لايحاءات هذه القوة في نفسه وخاصة أنّ قوّة الغضب لا تقع دائماً في جانب الشرّ في الإنسان ولا تمثّل عنصراً سلبياً في دائرة السلوك المخرّب ، فأحياناً تكون قوّة مثمرة وبنّاءة كما سيأتي تفصيل ذلك فيما بعد باذن الله تعالى.
وتأتي «الآية الثانية» وبعد أن تستعرض وعد الله تعالى للمتّقين بالجنّة التي وسع عرضها السموات والأرض لتتحدّث عن أوصاف هؤلاء ، وأوّل صفة تذكرها لهؤلاء هي صفة الانفاق وتقول : (الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ) ثمّ تضيف الآية (وَالْكاظِمِينَ الْغَيْظَ) وفي النتيجة : (وَالْعافِينَ عَنِ النَّاسِ) فمن يعيش هذه الحالات الايجابية والقيم الأخلاقية فهو من المحسنين الذين تقول عنهم الآية في ذيلها : (وَاللهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ).
والملفت للنظر أنّ الآية التي تليها وعدت هؤلاء بعفو الله ومغفرته في حال صدور الخطأ منهم ، وأنّهم عند ما يتحرّكون صوب الانحراف وارتكاب الخطأ يتذكّرون الله تعالى ويستغفرونه فيشملهم الله بعفوه ومغفرته.
وهذا إشارة إلى أنّ هؤلاء كما أنّهم يتحرّكون في تعاملهم مع الآخرين من موقع العفو والصفح عن أخطاء الغير فإنّ الله تعالى كذلك يعفو عنهم ويصفح عن أخطائهم.
وعلى أيّة حال فإنّ (كظم الغيظ) في هذه الآية ورد بعنوان أحد الصفات الإيجابية المرموقة لهؤلاء المتّقين.