«الآية الثالثة» تتحدّث عن حالة الغضب التي عاشها أحد الأنبياء الإلهيين ، وهو النبي يونس عليهالسلام تجاه امّته وقومه ، وهو الغضب المقدس في ظاهره ، ولكنّه في الواقع صادر من التسرع والاستعجال وعدم إدراك بواطن الامور ، ولهذا فإنّ الله تعالى قد جعله يواجه ظروفاً صعبة بسبب تركه للاولى وأخيراً فإنّ هذا النبي الكريم قد تاب من ترك الاولى ، وتقول الآية : (وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغاضِباً فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ فَنادى فِي الظُّلُماتِ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ).
وهكذا وبعد تحمّل صعوبات هائلة وقاسية قبل الله توبته ولم تستطع الحوت أن تهضمه في بطنها ، بل قذفته إلى الساحل بجسم نحيف وضعيف وهزيل ، أمّا ما هي المدّة التي مكث فيها يونس عليهالسلام في بطن الحوت؟ فهناك اختلاف بين المفسّرين بين من يقول أربعين يوماً ، ومن يقول اسبوعاً واحداً وثلاثة أيّام ، وطبقاً لرواية عن الامام علي عليهالسلام أنّ المدّة تسع ساعات ، وعلى أيّة حال فإنّ هذه المدّة مهما طالت أو قصرت فإنّها ممّا لا تطاق حتى للحظة واحدة.
ولكن ما ذا هو ترك الأولى الذي ارتكبه النبي يونس عليهالسلام حتى استحق هذه العقوبة الشديدة ، رغم أننا نعلم أنّ الأنبياء معصومون عن الزلل والذنب؟
إنّ ما يتبادر إلى الذهن في البداية أنّ يونس عليهالسلام غضب على قومه الضالّين الذين لم يقبلوا دعوته الإلهية وتحرّكوا في مقابله من موقع العناد واللجاجة ، فمن الطبيعي أن يغضب يونس عليهالسلام لذلك ، ولكن هذا الغضب بالنسبة لنبي كبير مثل يونس عليهالسلام كان يعدّ من الترك للأولى ، أي كان الأولى له بعد إطّلاعه على وقت نزول العذاب الإلهي على قومه أن يبقى معهم إلى آخر لحظة ولا ييأس من هدايتهم ، فلو أنّ يونس عليهالسلام لم يغضب هناك فلعل قومه يسمعون لكلامه ويلبّون دعوته في آخر اللحظات ، والتجربة تؤيد هذا المعنى حيث إنتبه قومه في اللحظات الأخيرة وتابوا إلى الله تعالى فقبل الله توبتهم وأزال عنهم العذاب.
فمثل هذا الغضب ليونس عليهالسلام (والذي لم يكون بدون دليل أيضاً) فإنّ الله تعالى لم يغفر لنبيّه ذلك وعاقبه بتلك العقوبة ، فكيف الحال فيما لو كان الغضب الذاتي للإنسان بدافع الحقد