من مجموع الآية هو أنّ عباد الرحمن لا ينطلقون من موقع الانفعال والغضب للجاهلين الحوادث غير الملائمة وخاصة الكلمات غير المسؤولة للجاهلين والحاقدين ويجنبوا أنفسهم شرّ النزاع والصراع مع هؤلاء الأشخاص بأداة الحلم وسعة الصدر.
وقد ورد في الحديث الشريف في تفسير هذه الآية عن النبي الأكرم صلىاللهعليهوآله أنّه قال يوماً لأصحابه (مضمون الحديث) : «هؤلاء جماعة من امّتي احبُّهُم وَيُحبُّونني سيأتون بعدكُم (ثم أخذ النبي الأكرم صلىاللهعليهوآله بذكر أوصافهم) ومن ذلك صفة الصبر والحلم وأنّهم يسلكون طريق الرفق والمداراة.
فقيل له : يا رسول الله هل يرفقون بغلمانهم؟
فقال صلىاللهعليهوآله : ليس لهم غلمان ، وإنّما يرفقون مع الجهّال والسفهاء :
(وَعِبادُ الرَّحْمنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْناً وَإِذا خاطَبَهُمُ الْجاهِلُونَ قالُوا سَلاماً»»)(١).
والمراد من كلمة (سلام) هنا هو أنّهم يتعاملون مع الآخرين من موقع المسالمة لا من موقع الخشونة والتحدّي والرد بالمثل ولا يواجهون كلمات غير مسؤولة لُاولئك الجاهلين إلّا من موقع عدم الاعتناء واللّامبالاة وكأنّما لم يسمعوها أصلاً.
«الآية الثامنة» والأخيرة من الآيات مورد البحث من سورة الأعراف تتحدّث عن ثلاثة أوامر مهمّة في خطابها للنبي الأكرم صلىاللهعليهوآله (باعتباره اسوة لجميع المؤمنين) وتقول : (خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجاهِلِينَ).
ومن الطبيعي أنّ الأعراض عن الجاهلين يأتي بمعنى الحلم والصفح وترك أي شكل من أشكال الخصومة والشجار ، بل يمكن القول أنّ الجملتين السابقتين في هذه الآية من الأمر بالعفو وقبول العذر والدعوة إلى الأخلاق الحسنة هي نوع من أنواع الحلم كذلك ، وبالتالي
__________________
١ ـ تفسير منهج الصادقين ، ج ٦ ، ص ٤١٧ ، طقباً لنقل تفسير الاثني عشري في ذيل الآية المبحوثة ؛ وتفسير روح البيان ، ج ٦ ، ص ٢٤١ أيضاً ذيل الآية المبحوثة.