جبان الخطر على فراخه فيهجم باتّجاه الخطر ويتصدّى إلى المهاجمين ويبعدهم عن أطفاله ويلحق بهم الهزيمة وحتى بعض الحيوانات كالقط إذا رأى نفسه محبوساً في غرفة وتعرّض للهجوم فإنّه يتصدّى أيضاً للدفاع عن نفسه ويتبدّل إلى حيوان متوحّش وخطر حيث يهجم أحياناً على الإنسان ويلحق به أضراراً كثيرة.
وعليه فإنّ قوّة الغضب هي في الحقيقة قوّة مفيدة ومهمّة في عملية الدفاع عن النفس وما يتعلّق بالإنسان من الامور المادية والمعنوية ، ولذلك فهي ضرورية في بقاء واستمرار الحياة وتكامل الإنسان بشرط أن تستخدم في مكانها وفي الغرض التي خلقت لأجله بدون افراط وتفريط.
ونقرأ في الآيات والروايات الإسلامية موارد كثيرة تتحدّث عن الغضب المقدّس الإيجابي والغضب الإلهي كذلك ، ومنها :
١ ـ نقرأ في قصّة موسى عليهالسلام أنّه عند ما توجّه إلى جبل الطور لإستلام الوحي الإلهي والتوراة ، فإنّ السامري قد استغل هذه الفرصة في غياب موسى عليهالسلام وصنع العجل الذهبي لبني اسرائيل ودعاهم إلى عبادته وقد أخبر الله تعالى موسى عليهالسلام بهذا الحدث العظيم وهو في جبل الطور ممّا جعل موسى عليهالسلام يغضب لذلك ويحزن ويعود إلى قومه وهو غارق في الهم ويعتصره الألم ، فألقى الألواح التي كتبت فيها التوراة والأحكام الإلهية وأخذ برأس أخيه وبلحيته موبّخاً إيّاه على تساهله مقابل ما صنعه السامري من اضلال بني اسرائيل وحتى أنّه وبّخه كما تقول الآية : (وَلَمَّا رَجَعَ مُوسَى إِلَى قَوْمِهِ غَضْبَانَ أَسِفاً قَالَ بِئْسَمَا خَلَفْتُمُونِي مِنْ بَعْدِي أَعَجِلْتُمْ أَمْرَ رَبِّكُمْ وَأَلْقَى الْأَلْوَاحَ وَأَخَذَ بِرَأْسِ أَخِيهِ يَجُرُّهُ إِلَيْهِ قَالَ ابْنَ أُمَّ إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي وَكَادُوا يَقْتُلُونَنِي فَلَا تُشْمِتْ بِي الْأَعْدَاءَ وَلَا تَجْعَلْنِي مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ) (١).
هذه الحالة المثيرة والغضب الشديد الذي استعر في قلب موسى عليهالسلام تجاه ما صنعه بنو اسرائيل من عبادة العجل قد أثر أثره الكبير في قلوب اليهود وهزّهم من أعماقهم فانتبهوا من غفلتهم وأدركوا سوء تصرّفهم في انحرافهم عن التوحيد وسلوكهم في خط الشرك وعبادة الوثن.
__________________
١ ـ سورة طه ، الآية ٩٢ و ٩٣ ؛ سورة الاعراف ، الآية ١٥٠ و ١٥١.