ومعلوم أنّ مثل هذا الغضب الشديد في مقابل ظاهرة انحراف الناس وضلالهم هو من الغضب الإيجابي والبنّاء وله بعد إلهي في حركة حياة الإنسان المعنوية.
وهكذا الحال في جميع أشكال الغضب لدى الأنبياء الإلهيين في مقابل أقوامهم المنحرفين والضالّين.
ومن اليقين أنّ موسى عليهالسلام إذا كان قد واجه هذه الظاهرة من موقع برودة الأعصاب وعدم تثوير حالة الغضب في نفسه فإنّ بني اسرائيل يستوحون من هذا السلوك إمضاءاً واعترافاً من موسى عليهالسلام بأفعالهم وسلوكياتهم الخاصة ، وبالتالي فإنّ مواجهة هذا الانحراف قد يكون مشكلاً فيما بعد ، ولكنّ غضب موسى عليهالسلام وهيجانه قد أثر أثره الإيجابي الكبير في رجوع بني اسرائيل عن خط الانحراف.
٢ ـ ونقرأ في سيرة النبي الأكرم صلىاللهعليهوآله أنّه أحياناً يتملكه الغضب الشديد تجاه بعض الحوادث والوقائع بحيث تظهر آثار الغضب على محياه ووجه المبارك.
من قبيل ما ورد في قصّة صلح الحديبية أنّ النبي الأكرم صلىاللهعليهوآله قد غضب بشدّة لبعض مقترحات (سهيل بن عمر) (وكيل قريش لعقد معاهدة الصلح مع النبي الأكرم صلىاللهعليهوآله) وكان غضبه حول بعض الموارد المقرّرة لمكتوب الصلح بين الطرفين بحيث ذكر المؤرّخون أنّ آثار الغضب ظهرت على وجهه وسيمائه (وهذا الأمر تسبب في سحب سهيل اقتراحه وعدم ذكره في بنود الصلح) (١).
٣ ـ وورد في سيرة أمير المؤمنين عليهالسلام أنّه غضب بشدة على أحد المسلمين الذي أضرّ بزوجته وهدّدها بالحرق ، فما كان من الإمام علي عليهالسلام إلّا أن تأثر بشدّة لذلك وسحب سيفه على هذا الرجل وقال : «آمرُكَ بِالمَعرُوفِ وَأَنهاكَ عَنْ المُنكَرِ وَتَردُ المَعروفَ؟ تُب وَإِلّا قَتَلتُكَ. (ولما علِم الشابُ أَنّه أَمير المؤمنين عليهالسلام) قالَ : يا أَمِيرَ المُؤمِنِينَ اعفُ عَنِّي عفا اللهُ عَنكَ وَاللهِ لأَكُوننَ أَرضاً تَطأني ، فَأَمرها بِالدُخُولِ إِلى مَنزِلِها وانكفأ وَهُو يَقُولُ : لا خَيرَ فِي
__________________
١ ـ بحار الانوار ، ج ٢٠ ، ص ٣٦٠.