ولكن بالنسبة إلى المثلة والتي هي عمل غير إنساني وصادر من روحيّة ملّوثة فإنّ المقابلة بالمثل لا تجوز في هذه الحالة ، وهذا المعنى ورد بصراحة في الروايات الإسلامية التي تؤكّد عدم جواز المثلة حتّى بالكلب العقور ، فحتّى لو استفيد من الآية الشريفة جواز المثلة (١) فإنّه يكون المراد منها بمعونة الروايات الصريحة هو أصل القتل فقط لا المثلة ، وذهب بعض المفسّرين إلى أنّ مسألة الانتقام بالأكثر من الحد الشرعي والتهديد بالمثلة لم يكن صادراً من النبي الأكرم صلىاللهعليهوآله ، بل من المسلمين ، وعمومية الخطاب في الآية الشريفة تؤيّد هذا المعنى وأنّ هذا التصميم صدر من المسلمين لا من رسول الله صلىاللهعليهوآله.
وتأتي «الآية الخامسة» لتتحدّث إلى النبي الأكرم صلىاللهعليهوآله وتأمره بما فوق العفو والصفح وتقول : (ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ السَّيِّئَةَ نَحْنُ أَعْلَمُ بِما يَصِفُونَ).
أمّا «الآية السادسة» فتؤكّد هذا المعنى أيضاً بعبارة اخرى تقول : (وَلا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَداوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ).
ونقرأ في الآية ٢٢ من سورة الرعد عند ما تستعرض صفات اولوا الألباب والعقول أنّ إحدى صفاتهم هي : (وَيَدْرَؤُنَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ) وهذا التعبير يمكن أن يكون إشارة إلى أنّ هؤلاء يتحرّكون على مستوى جبران أخطائهم وذنوبهم بالحسنات وأعمال الخير ، وكذلك يمكن أن تكون إشارة إلى أنّ هؤلاء يجيبون الإساءة الموجّه من الغير بالإحسان من جهتهم ولا يردّون بالمثل على الطرف الآخر لكي يوقضوا عناصر الخير في وجدان الطرف الآخر ويجعلونه يعيش الندم على ما صدر منه تجاههم.
ويحتمل أيضاً في تفسير هذه الآية أن يكون كلا المعنيين مراداً لها (٢).
ويستفاد من هذه الآيات الثلاثة جيداً أنّ النبي الأكرم صلىاللهعليهوآله وكذلك المؤمنين مأمورون
__________________
١ ـ نهج البلاغة ، الرسالة ٤٧.
٢ ـ راجع تفسير الميزان ج ١٦ في تفسير ذيل الآية.