هذه الغيرة الإلهية التي تقود المسلمين إلى الدفاع الشديد عن أعراضهم ونواميسهم وكيانهم هي اسوة لجميع المسلمين في مسألة الغيرة على الدين والناموس ، وتدلّ على أنّ الإنسان الذي يتحرّك في خط الإيمان والحق لا ينبغي أن يواجه ممارسات الأراذل والمنافقين والأشرار من موقع اللّامبالاة وعدم الاهتمام والبرودة.
وهذا التعبير الوارد في الآية الكريمة يدلّ على أنّ هذه المسألة عبارة عن فضيلة أخلاقية كبيرة ووظيفة اجتماعية للمؤمنين رغم ما أورده التاريخ من سيرة النبي الأكرم صلىاللهعليهوآله الذي كان يتشدّد في مثل هذه الموارد مع المخالفين وقوى الإنحراف.
إنّ الصفات الثلاثة التي ذكرتها الآية لهؤلاء المخالفين : (الْمُنافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْمُرْجِفُونَ) يمكنها أن تشير جميعها إلى طائفة معيّنة تتحرّك باتّجاهات مختلفة لتكريس حالة التخاذل والوهن والضعف بين المسلمين ، ولكنّ ظاهر الآية وما ورد في شأن نزولها من الروايات يشير إلى أنّ هذه الصفات الثلاث هي لثلاث طوائف من هؤلاء المنحرفين وهم : المنافقون الذين يتحرّكون في بث الشائعات حول غزوات النبي الأكرم صلىاللهعليهوآله لتضعيف روحية المسلمين وتقوية عنصر الانهزام والتخاذل في قلوبهم ، وطائفة الأراذل والأشرار الذين يتعرّضون لنساء المسلمين ويتسببون في إزعاجهّن والتحرّش بهنّ ، والطائفة الثالثة يتحرّكون في عملية بث الشائعات عن النساء المؤمنات وإتهامهنّ في عفتهن حيث يؤلمهنّ ذلك بشدّة ، فنزلت الآية أعلاه من موقع التهديد لهذه الفئات الثلاث بالنفي والقتل.
أمّا قوله : (الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ) فقد يرد في الآيات القرآنية بمعاني مختلفة ، فأحياناً يشير إلى النفاق مثل ما ورد في الآية ١٠ من سورة البقرة : (فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزادَهُمُ اللهُ مَرَضاً) ، وأحياناً اخرى يرد في مورد الأشخاص الذين يتّبعون غريزتهم الجنسية في دائرة الحيوانية كما ورد في الآية ٣٢ من هذه السورة التي تخاطب نساء النبي وتوصيهنّ بأن لا يخضعن بالقول للأشخاص الأجانب حتى لا تتحرّك فيهم الغريزة ويطمعوا بالحرام فيقول : (فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ).