والملفت للنظر أنّ القرآن الكريم بعد هذه الآيات (الآية ٦٠ و ٦١) يضيف أنّ هذه هي سنّة الله في الأقوام السالفة (ولا تنحصر بالامّة الإسلامية ولا تبديل لسنة الله).
وهذا السياق الشريف يشير إلى حكم عام وارد في جميع الأديان الإلهية ، وسنة إلهية قطعية لا تتبدّل ، وهي ضرورة المواجهة الجادّة مقابل المنافقين والانتهازيين والذين يبثون الشائعات المغرضة (طبعاً مع حفظ جميع المقرّرات الشرعية والعقلية) وهذا هو مفهوم الغيرة بكل وضوح.
وتتحرّك «الآية الثانية» لتحكي لنا عن نموذج للغيرة الدينية التي تتجلّى في سلوك أحد أكبر الانبياء الإلهيين ، أي النبي يوسف عليهالسلام وذلك عند ما تعرّض للتحرش من قبل نساء مصر وخاصة زليخا إمرأة العزيز حيث طلبت منه الإستسلام والرضوخ لمطاليبهن اللّامشروعة وارتكاب الفاحشة ، وبينما كان يوسف عليهالسلام في سن الشباب والمراهقة وتهب في صدره أعاصير الحيوية والغريزة والانجذاب إلى الدنيا ، إلّا أنّه قاوم كل هذه التحدّيات الداخلية والخارجية الصعبة حتى أنّه فضّل دخول السجن مع جميع مشقاته وآلامه على الاستسلام لمطاليبهن والرضوخ لعناصر الشهوة والمقام والجمال وطلب من الله تعالى أن يوفقّه لدخول السجن للخلاص من هؤلاء النسوة وقال : (قالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ وَإِلَّا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُنْ مِنَ الْجاهِلِينَ).
وهذا السياق الشريف يكشف عن مقام العصمة والعفّة ليوسف عليهالسلام وكذلك يحكي عن غيرته وتقواه أمام الهزات ، فعند ما نقارن بين هذه الروحية العالية في دائرة التعفف والصمود والإرادة مع ما نجده لدى عزيز مصر من عدم الغيرة والتساهل في أمر العفّة لدى زوجته بعد ما ثبت له سلوك زوجته الخائن اكتفى بالقول : (يُوسُفُ أَعْرِضْ عَنْ هذا وَاسْتَغْفِرِي لِذَنْبِكِ إِنَّكِ كُنْتِ مِنَ الْخاطِئِينَ)(١).
ويتّضح جليّاً الفرق بين هذين الرجلين من موقع الأمانة والتقوى والعفّة النفسية ، ولم
__________________
١ ـ سورة يوسف ، الآية ٢٩٠.