علماء الاجتماع في مطالعاتهم وتجاربهم عن الأشخاص التاركين للدنيا والمجتمع أنّ حالة العزلة تخلف آثاراً سلبية على النفس البشرية وتؤدّي بالإنسان إلى أن يعيش اليأس والكآبة المزمنة والتوهّمات الضبابية وقد يورثه هذا الحال الكثير من الاختلالات العقلية أيضاً.
ولهذا السبب فإنّ أحد أشدّ أنواع التعذيب للإنسان هو السجن الانفرادي الذي لا ينبغي استمراره مدّة طويلة بأيّة صورة ، لأنّ ذلك يؤدّي به حتماً إلى حالة نفسية من الإرتباك والمرض النفسي إلّا أن يكون له روح عرفانية قويّة فيأنس بالله تعالى وينقطع عن كل شيء إلّا بالعلاقة مع ربّه وخالقه.
وطبعاً فإنّ حياة الإنسان الاجتماعية لا تنبع من طبيعة الإنسان فقط ، بل إنّ عقل الإنسان أيضاً يقوده إلى الحياة المشتركة من حيث إنّ الإنسان لا يمكنه أن يسير في طريق التكامل والرقي والحضارة إلّا بالحياة الاجتماعية والتفاعل المشترك مع الآخرين والاستفادة من علومهم البشرية في طريق الرقي والتقدّم والحضارة الكبيرة والوصول إلى قمة الترقي والتكامل.
وبشكل عام يمكن القول أنّ الانفراد والعزلة والانزواء عن المجتمع بإمكانه أن يكون مصدراً للكثير من المفاسد والانحرافات في دائرة السلوك البشري ومن ذلك :
١ ـ إنّ الكثير من الانحرافات الفكريّة والذوقية وسوء الأخلاق تنبع من الانزواء والعزلة ، ولهذا فإنّ الأفراد الذين يعيشون العزلة غالباً نجدهم يعيشون سوء الأخلاق واللّجاجة والغرور (وطبعاً فإنّ هذا الأصل له استثناءات أيضاً كما هو حال الاصول الاخرى).
٢ ـ ومن الآثار السلبية الاخرى للعزلة والانزواء هو حالة العجب التي تسيطر على الإنسان ، لأنّ الإنسان يعيش حب الذات غالباً فيحبّ متعلّقاته بشدّة ، وكلما انخفضت علاقته مع الآخرين ولم يشاهد كمالاتهم وفضائلهم وبالتالي عُدم الميزان الذي يوزن به كمالاته الذاتية فإنّ ذلك يتسبب في أن يرى نفسه أعلى من الآخرين وأفضل منهم.