المذكور ، فلو قيل هذا الكلام في حضوره فإنّه يكتسب عنواناً آخر (كعنوان الايذاء أو التهتك وأمثال ذلك) والآخر أن يكون الكلام من قبيل ذكر عيوب الشخص المستورة والخفيّة فلو كانت من العيوب البارزة والظاهرة لم تكن من الغيبة رغم أنّها قد تكون محرّمة بعناوين اخرى ، والثالث أن يكون الكلام بحيث إذا سمعه الشخص المذكور بالغيبة فسوف يتألم ويتأثر ، ولكن الظاهر أنّ هذا القيد قيد توضيحي فحسب ، لأنّ إظهار العيوب المستورة للآخرين وخاصة في غيبتهم تورث التألم والأذى ، وقد يكون هناك بعض الأراذل الذين لا يمتعضون بذكر معايبهم ونشر فضائحهم بين الناس ولكن مثل هؤلاء الأشخاص قلّة نادرة.
وممّا تقدمّ آنفاً تتضح لنا هذه الحقيقة جيداً ، وهي أنّه عند ما يقال لبعض العوام من الناس : لماذا ترتكب غيبة الشخص الفلاني وتذمّه وراء ظهره؟ يقول : إنني أتحدث بهذا الكلام أمامه أيضاً وفي حضوره ، فهذا من قبيل العذر أقبح من الذنب ، لأنّ التحدّث بذلك أمامه وفي حضوره لا يجوّز غيبته أبداً ، فذلك أيضاً ذنب كبير بدوره لأنّه يدخل تحت عنوان أذى المؤمن وكذلك هتك حرمته بين الناس وهدم شخصيته في المجتمع.
ونقرأ في حديث شريف عن رسول الله صلىاللهعليهوآله أنّه ذكر بين يديه رجل فقال بعض الحاضرين : أنّه رجل عاجز وضعيف فقال : رسول الله صلىاللهعليهوآله : لقد اغتبتموه ، فقالوا : يا رسول الله لقد ذكرنا صفته فقال : «إِنْ قُلتُم ما لَيسَ فِيهِ فَقَد بَهَتّموه» (١).
والعذر الآخر الذي يذكره بعض الجهّال كمسوّغ للغيبة ويتذرّعون به أمام من ينهاهم عن الغيبة يقولون : إنّما نقوله هو حق وليس بكذب ، فالشخص الفلاني لديه هذا العيب ، وهذه الذريعة لا تقل قبحاً عن سابقتها لأنّه لو لم يكن هذا العيب في الطرف الآخر لدخل تحت عنوان التهمة لا الغيبة ، فالغيبة كما ذكرنا هي ذكر العيوب الخفيّة للآخرين في غيبتهم.
ولا بدّ من الإشارة أيضاً إلى أنّه يستفاد من بعض كلمات الأعاظم وعلماء الأخلاق أنّ الغيبة لا تقع بالنسبة إلى جميع المؤمنين ، بل تقع في مورد الأشخاص الذين تابوا من ذنوبهم وندموا على خطيئتهم وعادوا إلى جادة الصواب ، وأمّا الفاسق والمذنب والمتجاهر بالإثم ،
__________________
١ ـ المحجة البيضاء ، ج ٥ ، ص ٢٥٦.