وقوله ـ عزوجل ـ : (يَجْعَلُ الْوِلْدانَ شِيباً) جائز أن يكون هذا على التحقيق ، فيشيب الولدان لهول ذلك اليوم ، ويصير الشيب سكارى ؛ لشدة هوله ؛ كما قال تعالى : (وَتَرَى النَّاسَ سُكارى وَما هُمْ بِسُكارى) [الحج : ٢].
وجائز أن يكون على التمثيل ، لا على [تحقيق الشيب](١) ، فمثله به ؛ لعظم ذلك اليوم ، وشدة هوله ، وقد يجوز أن يمثل الشيء بما يبعد عن الأوهام تحقيقه ؛ على تعظيم ذلك الشيء ، كقوله : (تَكادُ السَّماواتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنْشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبالُ هَدًّا. أَنْ دَعَوْا لِلرَّحْمنِ وَلَداً) [مريم : ٩٠ ، ٩١] ، فذكر هذا على التمثيل ؛ لعظم ما قيل فيه ، لا على تحقيق الانفطار والانشقاق.
وجائز أن يكون معناه : أنه لو لا أن الله ـ تعالى ـ بعثهم للإبقاء وألا يتغيروا ، ولا يتفانوا ، وإلا كان هول ذلك اليوم يبلغ مبلغا يشيب به الولدان.
وقوله ـ عزوجل ـ : (السَّماءُ مُنْفَطِرٌ بِهِ) :
أي : بما يجعل الولدان شيبا ، وهو هول ذلك اليوم ، وشدة فزعه.
أو منفطر بالغمام.
وقيل : منفطر بالله ، أي : بقضائه وحكمه ، والله أعلم.
ثم قال : (مُنْفَطِرٌ بِهِ) ، ولم يقل : «منفطرة» ، والسماء مؤنث ؛ فذكر الزجاج : أن معنى قوله : (مُنْفَطِرٌ بِهِ) ، أي : ذات انفطار ، فعبر بها كما يعبر عن الذكور ؛ كما يقال : امرأة مرضع ، أي : ذات إرضاع.
وقوله ـ عزوجل ـ : (كانَ وَعْدُهُ مَفْعُولاً) :
أي : الذي وقع به الوعد مفعول ، لا أن يكون الوعد هو المفعول ، وكذا قوله : (إِنَّهُ كانَ وَعْدُهُ مَأْتِيًّا) [مريم : ٦١] ، والوعد لا يؤتى ، بل الموعود هو الذي يؤتى ، ولكن نسب الموعود إلى الوعد ؛ لأنه من آثاره ، وهذا كما يقال : المطر رحمة الله ، أي : برحمة الله ما أمطروا ، لا أن يكون المطر رحمته ، ويقال : الصلاة أمر الله ، أي : بأمر الله ما تقام ، لا أن تكون أمره الذي يوصف به ؛ فكذلك الموعود نسب إلى الوعد ؛ إذ بالوعد ما استوجبوا ، لا أن يكون الوعد هو المفعول وهو المأتي.
وقوله ـ عزوجل ـ : (إِنَّ هذِهِ تَذْكِرَةٌ) :
جائز أن يكون قوله : (هذِهِ) منصرفا إلى الأهوال التي ذكرها فيكون ذكرها تذكرة.
__________________
(١) في أ : التحقيق.