فقوله : (عَلَيْنا) يخرج على أوجه ثلاثة :
أحدها : أن علينا في حق الوعد جمعه وقرآنه ؛ لأنه قد سبق منا الوعد في الكتب المتقدمة بإنزال هذا القرآن وإرسال هذا الرسول ؛ فعلينا إنجاز ذلك الوعد ووفاؤه.
أو علينا في حق الحكمة جمعه ؛ لأن رسول الله صلىاللهعليهوسلم أمر بتبليغ الرسالة ، ولا يتهيأ له ذلك إلا بعد أن يجمع له فيؤديه إلى الخلق.
ولأن الله تعالى حكيم في فعله ؛ ففعله موصوف بالحكمة ، وإن لم نعرف نحن وجه الحكمة في فعله.
وجائز أن يكون قوله : (إِنَّ عَلَيْنا جَمْعَهُ) في حق الرحمة والرأفة على الخلق ، لا أن يكون ذلك حقا لهم قبله تعالى ، وهو كقوله ـ تعالى ـ : (وَلَئِنْ شِئْنا لَنَذْهَبَنَّ بِالَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ ..). إلى قوله : (إِلَّا رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ) [الإسراء : ٨٦ ، ٨٧] ، فأخبر أنه أبقى القرآن ، ولم يذهب به ؛ رحمة منه على عباده وفضلا.
وقوله ـ عزوجل ـ (وَقُرْآنَهُ) ، أي : قراءته ، وتسميته : قرآنا ؛ كما قيل في تأويل قوله : (وَقُرْآناً فَرَقْناهُ) [الإسراء : ١٠٦] ، أي : جعلناه فرقانا.
وقوله ـ عزوجل ـ : (فَإِذا قَرَأْناهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ) :
أي : جمعناه في قلبك ، أو جمعنا حدوده (١) ، وما أودع فيه من المعاني.
أو جمعناه بعد أن فرقناه في التنزيل.
وقوله : (فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ) اتباعه يكون بأوجه : في أن يبلغه إلى الخلق ، ويعلم أمته ، ويتبع حلاله ، ويجتنب حرامه ، وغير ذلك.
وقوله : (ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنا بَيانَهُ) :
جائز أن يكون قوله : (عَلَيْنا بَيانَهُ) ، أي : بيان ما أنزلناه إليك مجملا ؛ فيكون بيانه في تعريف ما هو بحق الائتمار ، وما هو في حق الجواز ، وما هو في حق التحسين والتزيين ؛ لأن الفرائض لها شعب وأركان وحواش.
أو نقول : فيها (٢) فرائض ، ولوازم ، وآداب ، وأركان.
على هذا ففيه منع تعليق الحكم بظاهر المخرج ؛ لأنه لو كان متعلقا به ، لكان البيان منقضيا بنفس المنزل ؛ فلا يحتاج إلى أن يبين ، وفيه دلالة تأخير البيان عن وقت وقوع الخطاب في السمع.
__________________
(١) في ب : حدوثه.
(٢) في ب : منها.