الوجه الذي ذكرنا ، ودلالة البعث وآياته أن خلق البشر ليس على العبث ، [فهي تذكرة لمن يذكر بها](١).
أو جائز أن يكون منصرفا إلى الآيات التي قبل هذا في هذه السورة ، وهو أن فيما تقدم في هذه السورة من الآيات تثبيت رسالته بما تقدم ذكرنا له.
وجائز أن يقال : إن هذه تذكرة ؛ أي : هذه المعاتبة تذكرة للنبي صلىاللهعليهوسلم ولجميع المؤمنين ؛ ليعرفوا من يستوجب التعظيم والتبجيل ، ومن يستوجب إهانته والاستخفاف.
وقوله ـ عزوجل ـ : (فَمَنْ شاءَ ذَكَرَهُ) ، جائز أن يكون معناه : من شاء الله أن يذكره ، أو ما شاء ذكره ؛ أي : قد مكن كل من التذكير ، وأنه ليس أحد بممنوع ولا مجبور على الفعل ، فمن ترك التذكر (٢) ، فهو الذي ضيع ذلك ؛ حيث آثر واختار ضده ، واشتغل بغيره ، وأعرض عن ذكره.
وجائز أن يكون على تحقيق الفعل ؛ أي : من تذكر به فهو ذكر له ؛ فكنى بالمشيئة عن الفعل ؛ لما ذكرنا أنها تقترن بالفعل ولا تزايله ؛ فيكون في ذكرها ذكر الفعل.
أو يكون على إرادة الفعل قبل وجوده.
وقوله ـ عزوجل ـ : (فِي صُحُفٍ مُكَرَّمَةٍ) قيل : هي (٣) الصحف المتقدمة ؛ كقوله : (إِنَّ هذا لَفِي الصُّحُفِ الْأُولى. صُحُفِ إِبْراهِيمَ وَمُوسى) [الأعلى : ١٨ ، ١٩].
وقوله : (فِي صُحُفٍ) أي : في أيدي الملائكة.
وقوله : (مُكَرَّمَةٍ) ، أي : مكرمة بما يكرمها أهل الكرامة ، وهم السفرة البررة.
أو مكرمة على الله تعالى.
وقوله ـ عزوجل ـ : (مَرْفُوعَةٍ) ، أي : مرفوعة القدر ، مطهرة من التناقض والاختلاف.
أو مطهرة من أن ينالها أيدي العصاة.
أو مطهرة من الأقذار والأدناس.
وقوله ـ عزوجل ـ : (بِأَيْدِي سَفَرَةٍ) السفرة : الكتبة.
وقوله ـ عزوجل ـ : (كِرامٍ بَرَرَةٍ) أي : كرام على الله تعالى ، بررة في أعمالهم ؛ كما وصفهم الله ـ تعالى ـ بقوله : (لا يَعْصُونَ اللهَ ما أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ ما يُؤْمَرُونَ) [التحريم : ٦].
__________________
(١) في ب : فهي تذكر فيها.
(٢) في ب : التذكير.
(٣) في أ : هو.