وقوله ـ عزوجل ـ : (وَفِي ذلِكَ فَلْيَتَنافَسِ الْمُتَنافِسُونَ) جائز أن يكون أراد به الشراب الذي وصفه في قوله : (رَحِيقٍ مَخْتُومٍ ..). الآية.
والتنافس حرف يستعمل في الخيرات ؛ كأنه يقول : فليرغبوا في الشراب الذي هذا وصفه ، الذي [لا](١) غول فيه ولا هم ينزفون ، لا في الشراب الذي يذهب بالعقول ، ويضعف الأبدان ، ويتلف الأموال.
أو فليتنافسوا في النعيم الذي وصف هاهنا ، لا في النعيم الذي ينقطع ولا يدوم ؛ فكأنه (٢) يقول : فليرغبوا فيما يعقب لهم النعيم الدائم والشراب الذي لا تنقطع لذته.
وقيل : (خِتامُهُ مِسْكٌ) : ما بقي في الكأس من البقية يكون ذلك مسكا.
والتنافس إنما يكون في المسارعة في الخيرات ، وترك الاتباع للشهوات ، والانتهاء عن المعاصي ، وهو كقوله : (لِمِثْلِ هذا فَلْيَعْمَلِ الْعامِلُونَ) [الصافات : ٦١] ، أي : فليكن عملهم بما يثمر لهم ما ذكر من النعيم ، لا في الذي ينقطع ، وتكون عقباه النار.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَمِزاجُهُ مِنْ تَسْنِيمٍ) ، قيل : التسنيم : شيء أعده الله ـ تعالى ـ لأوليائه ، لم يطلعهم عليه في الدنيا ، وهو من قرة الأعين التي لا تعلمها الأنفس ، فوصف مرة المزاج بالمسك ، ومرة بالكافور بقوله : (كانَ مِزاجُها كافُوراً) [الإنسان : ٥] ، ومرة أخبر أنه ممزوج بالتسنيم ، ولم يبين ما التسنيم ، والسنام : اسم ما ارتفع من الشيء ؛ فيجوز أن يكون سمي : تسنيما ؛ لأنه ينحدر إليهم من الأعلى ، وأخبر أنه ممزوج بما إلى مثله ترغب الأنفس في الدنيا وتشتاق إليه ؛ ألا ترى أن الشراب في الدنيا إذا كان ممزوجا فهو في القلوب أوقع ، وتكون الأنفس إليه أرغب منه إذا كان غير ممزوج ، فرغبوا بمثله في الآخرة.
وذكر بعض أهل التفسير أن المقربين يسقون من ذلك الشراب صرفا ، ويمزج لغيرهم.
وقال الحسن : المزاج يكون للمقربين وغيرهم ، وجعل الممزوج منه أشرف ، على ما ذكرنا.
وقوله ـ عزوجل ـ : (عَيْناً يَشْرَبُ بِهَا الْمُقَرَّبُونَ).
المقربون هم الذين يسارعون في الخيرات في الدنيا ، فتركوا منى الأنفس ، واتقوا المهالك والزلات ، فهم المقربون ، وأضاف التقريب إلى الغير ؛ لأنهم بغيرهم ما وفقوا لاكتساب الخيرات ، وعصموا عن ارتكاب المهالك والزلات ، لا بأنفسهم ؛ فنالوا فضل
__________________
(١) سقط في ب.
(٢) في ب : حكاية.