والمؤمنين ، والإخزاء يقع بالعذاب ؛ فقد وعد ألا يعذب الذين آمنوا ، ولو كان أصحاب الكبائر مؤمنين لم يخف عليهم العذاب ؛ إذ قد وعد ألا يخزي المؤمنين ومن قولكم (١) : إنهم يخاف عليهم العقاب ؛ فثبت أنهم ليسوا بمؤمنين.
ولكن نقول : إن هذا السؤال يلزمهم من الوجه الذي أرادوا إلزام خصومهم ؛ لأن في الآية وعدا بألا يخزي الذين آمنوا ، وهم مقرون بأن أهل الكبائر ممن قد آمنوا ، ولكنهم بعد ارتكابهم الكبائر ليسوا بمؤمنين ، والآية لم تنطق بنفي الإخزاء عن المؤمنين ؛ لأنه لم يقل : يوم لا يخزي الله النبي والمؤمنين ، وإنما قال : (وَالَّذِينَ آمَنُوا) ، وهم يقطعون القول بإخزاء من قد آمن ؛ فصاروا هم المحجوجين بهذه الآية ، ثم حق هذه الآية عندنا أن نقف على قوله : (النَّبِيَ) ، أي : لا يخزيه الله تعالى في أن يرد شفاعته أو يعذبه ، وقوله : (وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ) ، ابتداء كلام وخبره (نُورُهُمْ يَسْعى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمانِهِمْ) ؛ وهو كقوله ـ تعالى ـ : (وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ) [آل عمران : ٧].
أو لا نخزي الذين آمنوا بعد شفاعة النبي صلىاللهعليهوسلم.
ويحتمل أن الإخزاء هو الفضيحة ، أي : لا يفضحهم يوم القيامة بين أيدي الكفار ، ويجوز أن يعذبهم على وجه لا يقف عليه الكفرة ، والخزي : هو الفضيحة ، وهتك الستر ، ولا يفعل ذلك بالمؤمنين بفضله (٢) ، والله أعلم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (يَسْعى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ).
أي : بين أيديهم إذا مشوا ، وبإيمانهم عند الحساب ؛ لأنهم يؤتون الكتاب بأيمانهم ، وفيه نور وخير ، أو يسعى النور بين أيديهم في موضع وضع الأقدام وبأيمانهم ؛ لأن ذلك طريقهم وشمالهم طريق الكفرة.
وقوله ـ عزوجل ـ : (يَقُولُونَ رَبَّنا أَتْمِمْ لَنا نُورَنا).
جائز (٣) أن يقولوا هذا عند انطفاء نور المنافقين ؛ فيخافون انقطاع ذلك النور عنهم أيضا.
أو يقولون هذا عند ضعف النور ، فيسألونه إتمامه (٤) ، والله أعلم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (يا أَيُّهَا النَّبِيُّ جاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنافِقِينَ) ، قيل : جاهد الكفار
__________________
(١) في ب : قولهم.
(٢) في ب : لفضله.
(٣) في ب : فجائز.
(٤) في ب : الإيمان.