الثلاثة ، فإنه لما كان التحقق بالسعادة العظمى التي هي المعرفة العيانية للواهب الحق جل ذكره شهودا عينيا في هذه الدار وفي دار القرار متفاوتا حسب تفاوت مراتب أصناف المقربين ودرجات الأبرار ، والاتصاف بالأخلاق الربانية المعبر عنه بالتخلي والتحلي موقوفا على تمييز مقام العبودية من الربوبية ، ثم التوجه نحو من بيده الخير كله بالكلية ، وكان الكتاب الكريم كافلا للمتمسك به أن ينال من هذه السعادة الحظ الأوفى والشرب الأصفى لزم أن ينحصر مقاصده في الثلاثة المذكورة ، فالثناء عليه بما هو أهله يتضمن معرفة الرب جل جلاله بصفات الجلال والإكرام ، مع الاعتراف بأن العبد وما هو متقلب فيه قطرة من بحر جوده ويدخل فيه الإيمان بالله تعالى وصفاته وأفعاله ، والتعبد بأوامره ونواهيه يتضمن معرفة أنه عبد مربوب مكلف لا بد له من اللجوء إلى مولاه حسب ما استدعاه بعده أو أدناه ، ولا يخفى تأخره عن الأول ، إذ لو لا الاعتراف السابق لم يلزم طلب كيفية التوجه.
وذلك لأن التعبد في الحقيقة راجع إلى طلب الكمال من مفيضه على الوجه الذي يؤدي إلى المطلوب ويدخل في الايمان بالنبوات والولايات والملائكة والكتب والعبادات القلبية والقالبية.
والإتيان بالوعد والوعيد يتضمن التنبيه على السعادة المذكورة ، وعلى ما يقابلها من الشقاوة ، واختلاف درجاتهما وهما الكمال المطلوب بالتعبد ، والنقصان المهروب عنه بالتجرد ، ولو لا ذلك لم يتميز الطلب عن التوجه العبثي فبالثلاثة تمت الكفالة ، ومن رضي بها كافلا فطوبى له.
ولبعض أرباب الطريقة مسلك آخر وهو أنّ هذه السورة مشتملة على مراتب الربوبية ، ومراتب العبودية والأمور الدنيوية والأخروية.
مراتب الربوبية عشرة : أولها : مرتبة الاسم بأن الله تعالى له اسم ، والثاني : الذات ، والثالث : الصفات ، فهذه المراتب الثلاثة حاصلة في بسم الله الرحمن