وصل
لمّا نبّه سبحانه على اختصاص جميع أفراد الحمد وأنواعه من جميع خلقه بألسنة ذواتهم وصفاتهم ووجوداتهم واستعداداتهم وقابليّاتهم في جميع شؤوناتهم وظهوراتهم وتطوّراتهم وتجلّياتهم ومراتبهم به سبحانه بحيث لا يشاركه فيه غيره ووصف نفسه بما هو كالبرهان على ذلك من كونه مربّيا لجميع ذوات الوجود من الغيب والشهود بل لجميع العوالم الكلّية والجزئيّة من الدّرة إلى الذّرّة حسب ما سمعت عقّبه بذكر وصف ثان وثالث ورابع تفصيلا لما أجمل أوّلا من ذكر التّربية وبيانا لأركانها ومقوّماتها وسريان حكمها ولو على وجه الاقتضاء لو لا المانع من المحلّ في جميع العوالم والنشئات بالنّسبة إلى جميع الأشياء والمكوّنات ولذا قيل : إنّ الثلاثة وصف للأوّل لا لله وعلى كلّ حال فقد نبّه سبحانه بالتّفصيل بعد الإجمال على ما هو كالاستدلال فقال : (الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ.)
أمّا الاسمان الكريمان فقد مرّ بعض القول فيهما وفائدة التكرير زيادة التقرير وإيقاع الحكم في الضّمير ، سيّما مع ذكر المنعم عليهم في الأخير ، مع ما فيه من الإشعار على أنّ من فقد شيئا من النعم فليس ذلك لقصور الكرم ، لأنّ رحمته وسعت كلّ شيء على حسب قابليّته واستعداده وقبوله ، فتربيته عامة تامة شاملة لجميع الأكوان في كينوناتهم واختياراتهم وشؤونهم التكوينيّة والتّشريعيّة في الدّنيا والآخرة على مقتضى العدل والفضل ، ولذلك كان أهل الحمد ومستحقّه بحقيقة الحمد كما ينبغي لكرم وجهه وعزّ جلاله وبجميع تطوّراته بألسنة خلقه حسب ما سمعت من أقسام الحمد ، فتقديم مثل هذا التحميد كالتمهيد للتّمجيد باستحقاقه لاختصاصه بالعبادة له والاستعانة به دون غيره من خلقه.