الفصل الأوّل
فيما يتعلّق بالحمد
ثمّ إنّ الله سبحانه وله الحمد والمنّة لمّا علّمنا كيفية التبرك بالاستعانة به والتوسل بأسمائه والانصباغ بصبغته مع التنبيه على أنّ جميع النعم الدنيوية والأخروية والتشريعية والتكوينية كلها منه ، والأمور كلها بيده ، وهو المبتدء بالنعم قبل استحقاقها ، والسائق إلى المستحقّين حقوقها ، أراد أن يحمد نفسه بالثناء عليه على نعمه الجميلة الجليلة وآلائه الجزيلة النبيلة ، تعليما للعباد ، وهداية لهم إلى سبيل الرشاد ، فقال : (الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ).
الحمد في الأصل مصدر (حمد) كسمع ، حمدا ومحمدا ومحمدة بكسر الثالث وفتحه فيهما بمعنى الثناء ، كحمدته عل فعله ، والشكر كحمدته على نعمه ، والرضا كحمدت بسيرة فلان ، والمدح كحمدت فلانا على فضله ، لكن الغالب عليه في الاستعمال هو المعنى الأول ، هذه المعاني متغايرة وإن تقاربت ، ولذا كان لكلّ منها نقيض غير نقيض الآخر ، فالنقيض للحمد الذم ، وللشكر الكفر ، وللمدح الهجا ، والذم أيضا ولعله الأغلب.
وبالجملة فقد عرّفوا الحمد بالثناء باللسان على الجميل الاختياري من نعمة وغيرها.
فهو أخصّ من المدح الذي هو الثناء على الجميل المطلق اختيارا كان أو غيره ، ولذا يقال : مدحت زيدا على حسنه ، دون حمدته ، ويطلقان بالنسبة إلى علمه.