تنبيه
يمكن إبطال القول بالجبر بصحة الاستعاذة كما استدلّ به ، نظرا إلى أنّه اعتراف بكون العبد فاعلا لتلك الاستعاذة ، ولو كان الفعل من الله كذب العبد ، وإن الله إذا خلق فعلا في العبد امتنع لكل أحد دفعه ، وإذا لم يخلقه امتنع تحصيله ، وإن الاستعاذة بالله إنما يحسن إذا لم يكن خالقا للأمور التي يستعاذ منها ، ومع كونه خالقا لها يلزم الاستعاذة به منه ، فالوسوسة حينئذ ليست فعلا للشيطان فكيف يستعاذ منه.
ولله در ابن (١) الحجاج حيث قال :
المجبرون يجادلون بباطل |
|
وخلاف ما يجدون في القرآن |
كلّ مقالته : الإله أضلّني |
|
وأراد بي ما كان عنه نهاني |
أيقول ربك للخلايق آمنوا |
|
جهرا ويجبرهم على العصيان |
إن صحّ ذا فتعوذّوا من ربكم |
|
وذروا تعوّذكم من الشيطان |
وقال بعض الأجلّاء : إن قريشا كانت في الجاهلية على الجبر ، وقد نزل الكتاب بإبطاله ، لكن أحياه بنو أمية ، فنسبوا شقاوتهم إلى الله ، ولذا قيل : العدل والتوحيد علويّان ، والجبر والتشبيه أمويان.
والحق أن بطلان القول بالجبر مما يقضى به بعد الكتاب والسنة ضرورة وجدان الإختيار في كل ما يصدر منا من الأفعال.
مضافا إلى أنّ فيه انهدام أساس الشرائع والسياسات والأحكام ، بل المعاد وما فيه من الثواب والعقاب.
__________________
(١) هو أبو عبد الله الحسين بن أحمد بن الحجاج الأديب الشاعر الشيعي البغدادي المتوفي (٣٩١) ه. ـ العبر : ج ٣ / ٥٠.