تبصرة
قد تبيّن لك مما سمعت سابقا السرّ في تقديم اسم الرحمن على الرحيم ، وذلك أنّ الرحمن إشارة إلى الرحمة الواسعة السابقة في عالم الناسوت من حيث الظهور والبروز ، كتقدّم الشجرة على الثمرة ، وإن كانت الثمرة هي الأصل في الشجرة ، وكتقدّم الأنبياء على خاتم النبيين صلوات الله عليهم أجمعين مع أنه كان نبيا وآدم بين الماء والطين.
هذا مضافا إلى وسعتها وعمومها واختصاصها بالله سبحانه ، حيث إنّك قد سمعت أنه لا يجوز إطلاقه على غيره ، ولذا قرنه مع اسم الذات في مقام الدعاء الذي لا ينبغي أن يشرك به أحدا في قوله : (قُلِ ادْعُوا اللهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمنَ) (١) وإن أمكن أن يقال : أن ليس المراد ذكر خصوصية للإسمين ، بل التسوية بينهما وبين سائر الأسماء لقوله : (أَيًّا ما تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْماءُ الْحُسْنى) (٢) ، كما في قوله : (وَلِلَّهِ الْأَسْماءُ الْحُسْنى فَادْعُوهُ بِها) (٣).
إلّا أن الظاهر من الاقتصار عليهما والاقتران مع اسم الذات ، بل وضعهما موضعه في الآية الثانية تقدّمه على سائر الأسماء.
ولذا ورد في النبوي : «أحب الأسماء إلى الله عبد الله وعبد الرحمن» (٤).
وأيضا ورد في الخبر المشهور : «إن لله تسعة وتسعين اسما ، من أحصاها
__________________
(١) الإسراء : ١١٠.
(٢) الإسراء : ١١٠.
(٣) الأعراف : ١٨٠.
(٤) بحار الأنوار : ج ١٠٤ / ٩٣ ، ص ٩٣ عن مكارم الأخلاق : ص ٢٥٢ وفيه : «أحسن الأسماء» وفي نفس المصدر ص ١٢٧ ، ح ٢ عن الخصال : ج ١ / ١٧١ «خير الأسماء» وأيضا في البحار : ج ١٠٤ / ١٣٠ ، ح ٢١ عن نوادر الراوندي ص ٩٠ «نعم الأسماء».