يحضرني موضعه (١) مبنيّا على تنزيل ما سوى المرحوم بالرحمة الرحيمية بمنزلة المعدوم ، وأن الشيء حقيقة هو المرحوم بالرحمة الإيمانية ، وأما المرحوم بالرحمة الرحمانية خاصة فهو لا شيء ، كما هو المستفاد من قوله تعالى : (وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمالُهُمْ كَسَرابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ ماءً حَتَّى إِذا جاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئاً) (٢).
ولذا لمّا سئل مولانا أمير المؤمنين عليهالسلام عن لا شيء أجاب بأنّه سراب.
ومن هنا نفى عنهم الحياة والسمع والبصر في كثير من الآيات كقوله : (أَمْواتٌ غَيْرُ أَحْياءٍ) (٣) ، (أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ) (٤) الآية ، وغيرها من الآيات.
فكأنه ادّعى أنّ رحمتك هي الرحمة الإيمانية ، وهي وسعت كل شيء بالمعنى المتقدّم كقوله : (لِيُنْذِرَ مَنْ كانَ حَيًّا وَيَحِقَّ الْقَوْلُ عَلَى الْكافِرِينَ) (٥).
وأما قوله : «وأنا شيء» فمعناه بالتوجه إليك ، والسؤال منك ، والإقبال عليك.
على أنّ هذا النوع من التلطف في السؤال مبنيّ على ضرب من الإدلال ، لا يعرفه أصحاب القيل والقال ، ومثله كثير في المناجاة المأثورة عن النبي والآل عليهم صلوات الله الملك المتعال.
تنبيه
ما ذكرناه في اشتقاق الرحمة إنّما هو بحسب الاشتقاق اللفظي ، وأمّا من
__________________
(١) تقدّم الموضع : مصباح المتهجّد ص ٢٥٠ وعنه البحار : ج ٩٠ / ٨.
(٢) النور : ٣٩.
(٣) النحل : ٢١.
(٤) الفرقان : ٤٤.
(٥) يس : ٧٠.