في سرّ تقدّم المفعول
إنّما قدّم المفعول ، وحقّه التّأخير لتقدّمه في الوجود ، وللإشعار على التّعظيم ، ولزيادة الاهتمام النّاشى عن شدّة اقتضاء الكلام السّابق الخطاب حسبما سمعت ، ولشدّة العناية به في ذكره ، والاستمداد به ولو في إظهار عبادته وطلب إعانته ، وللدّلالة على حصر المعبود والمستعان به حقيقة فيه سبحانه ولذا حكى عن ابن عبّاس أنّ معناه نعبدك لا نعبد غيرك (١).
وما يقال من منع دلالة التقديم على الحصر وإنّما غاية ما يدلّ عليه هو الإختصاص ولذا عبّر به في الكشّاف هنا بدل الحصر ، والحصر هنا لم يستفد منه ، بل من خصوص المادّة وهي العبادة والاستعانة.
ففيه أنّ الظّاهر اتّحاد مفاد العبارتين حسب ما صرّحوا به ، والفارق قد فرّق بينهما بما لا يصلح إلّا للفرق بين الحصر والاختصاص المفاد بلامه لا الاختصاص المرادف للقصر ، ولذا قيل لا يضرّ في ترادفهما اشتراك الاختصاص بين الحصر والاختصاص المفاد بلامه كما لا يمنع من إفادة التقديم الحصر عدم إفادته له في مواضع ، لأنّ الحكم على الغلبة لا الاطّراد ، والإطّراد بمعونة القرينة أو ما لم يكن قرينة على الخلاف.
نعم قال بعض المحقّقين : إنّ في خطابنا له تعالى بانّ خضوعنا التّام واستعانتنا منحصران فيه جلّ شأنه وتكرارنا ذلك في كلّ يوم وليلة مرارا عديدة مع خضوعنا الكامل لأهل الدنيا من الملوك والوزراء ومن يحذوا حذوهم واستعانتنا في حوائجنا واستمدادنا في نجاحها منهم جرأة عظيمة توجب مزيد الخذلان وعظيم الحرمان لو لا أن تداركنا رحمته الكاملة وعنايته الشّاملة ، روى عن مالك بن دينار أنّه كان
__________________
(١) تفسير روح المعاني ج ١ / ٨٧.