يقول لو لا انّي مأمور بقراءة هذه الآية من الله تعالى ما قرأتها قطّ لأنّى كاذب فيها ، ثمّ حكى عن بعض الفضلاء : انّ في العدول في فعل العبادة والاستعانة من الإفراد إلى الجمع نكتة هي التحرّز عن الوقوع في الكذب إذ يمكن في الجمع أن يقصد تغليب الأصفياء الخلصاء من الأولياء المقرّبين على غيرهم بخلاف صيغة المفرد فانّه لا يتأنّى فيه ذلك.
قلت : الخضوع لغير الله والاستمداد منه والاستعانة به وصرف الحوائج إليه إن كان بأمر الله وعلى القدر المحدود منه ، من حيث الكميّة والكيفيّة وسائر المشخصات الوجوديّة فلا ريب في كونه عبادة مطلوبة مرغوبة عند الشّارع كطاعة الولد للوالدين ، والعبد للسيّد ، والمتعلّم للمعلّم ، والصّغير للكبير ، بل المؤمن مطلقا كلّ ذلك في غير معصية الله ، بل لكونه مأمورا بذلك في الشريعة ، بل ربّما يرجّح ويقدّم بعض أفرادها لما فيه من الخصوصيّات على بعض العبادات البدنيّة المحضة من المندوبات ، بل ربما يجب أو يندب تعظيم الظّلمة والوزراء والسّلاطين بل المخالفين والكافرين حفظا للدّين أو على بعض المؤمنين وللتقيّة الّتي هي من دين سيّد المرسلين بل ويندب شكر من حصل أو وصل بواسطته شيء من النّعم الإلهيّة ، فإنّ من لم يشكر النّاس لم يشكر الله ، ولعن الله قاطعي سبيل المعروف بترك الشكر ، فضلا عن الكفران ، لكنّ المسلك وعر صعب دقيق.
ولذا قال مولينا الصّادق عليهالسلام في تفسير قوله : (وَما يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ) (١) انّه هو الرجل يقول : لو لا فلان لهلكت ، ولو لا فلان لأصبت كذا وكذا ، ولو لا فلان لضاع عيالي ، ألا ترى أنّه قد جعل لله شريكا في ملكه يرزقه
__________________
(١) سورة يوسف : ١٠٦.